04 أكتوبر 2024
"25 يناير".. ذكريات وشجون
أصبحت الكتابة عن ثورة 25 يناير في مصر عملية مؤلمة، فما بالك بالكتابة عنها في ذكراها؟ إنه أمر شاق، تلك الذكريات وتلك النوستالجيا، ذلك الشجن، عن ماذا نحكي في ذكرى الثورة المهزومة؟ عن التراكمات التي أدت إلى الثورة؟ عن ظهور حركة كفاية (الحركة المصرية من أجل التغيير) ثم ظهور حركة السادس من إبريل؟ ثم عودة محمد البرادعي إلى مصر، وتأسيس الجمعية الوطنية للتغيير، وحادثة قتل الشاب خالد سعيد، ثم كل التطورات، حتى دعونا إلى الخروج يوم 25 يناير، عيد الشرطة، أو عيد البلطجية كما أطلقنا عليه وقتها.
هل أكتب عن التحضيرات والتكتيكات؟ عن يوم 28 يناير ومعركة كوبري قصر النيل؟ وروح الميدان؟ المستشفى الميداني والتعاون والمجتمع المثالي شبه الملائكي خلال الـ18 يوما. الكل يساعد الآخر، والأخ يقسم اللقمة مع أخيه، ولا أحد ينظر إلى الأيديولوجيا ولا للحزب ولا للتيار، الكل واحد، والحلم واحد.
هل نتحدث مرة أخرى عن عودة الخلافات الأيديولوجية وتضارب المشروعات والاتجاهات بعد الـ 18 يوما في ميدان التحرير؟ كان الحلم واحدا، لكنه تفتت بعد رحيل حسني مبارك، ما هو شكل الدولة التي نريدها؟ مدنية أم دولة الخلافة؟ دور المؤسسة العسكرية؟ نظام رئاسي أم برلماني؟ الانتخابات أولا أم الدستور أولا؟ ثم كانت نقطة الانفصال والانشقاق بين قوى الثورة في استفتاء مارس. ولكن من الذي تعمّد الكذب، وروّج متعمدا أن هناك نية لإلغاء مادة الشريعة من الدستور؟ ومن الذي قرّر تحويلها معركةً بين فسطاطي الإيمان والكفر؟ ومن الذي خلط الأمور، حتى يجعل الاستفتاء هو على الشريعة وشرعية المجلس العسكري معا، ألعوبة أنور السادات نفسها عندما نظم استفتاء يضيف مادة الشريعة إلى الدستور، وفي الوقت نفسه يجعل فترات الرئاسة مفتوحةً.
كانت الثورة حلما جميلا لو تحقق لكانت مصر في حال أفضل، وفي تقدم مستمر. لن يحدث
التغيير بين ليلة وضحاها، فتغيير طباع وعادات شعبية راسخة لا يمكن تحقيقه بضغطة زر أو تعديل الدستور أو القوانين، فقد اكتشفنا أن التغيير نحو التقدم لا يتطلب فقط تغيير رأس السلطة، فقد يتغير هذا الرأس، ويبقى النظام وفساده.. هل لا يزال هناك أمل؟ ولكن كان هناك أمل، لو كانت الجهود قد نجحت في ترسيخ نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على الحكم الرشيد والشفافية، ويقوم على العدالة وتكافؤ الفرص ودولة القانون، لو كنا نجحنا في إقامة ديمقراطية راسخة تقوم على التعدّدية واحترام حقوق الإنسان، لو نجحت الثورة لكان ذلك يسهم، بشكل كبير، في إعادة تشكيل القيم التي تحكم الناس، ولأسهم ذلك في التخلص من عادات وأمراض كثيرة أصبحت راسخة في المجتمع المصري، وأدت إلى ذلك التدهور والانهيار. نعم يتطلب التغيير الحقيقي وقتا وجهدا كثيرين، هو تغيير لنظام وقواعد الحكم وليس للأشخاص، حتى تكون هناك إمكانية لنشر ثقافة وقيم جديدة تسهم في التحفيز نحو العمل والاجتهاد والإبداع والابتكار. ولكن.. أين نحن الآن؟
هل نتحدث عن الخديعة التي تعرّض لها كل شركاء الثورة، عندما أراح المجلس العسكري مبارك مؤقتا، ليس اقتناعا بالحرية والديمقراطية ومطالب الثورة، ولكن لإزاحة المنافسين الجدد من رجال جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع، فقط لاستمرار الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية بدون شركاء من رجال أعمال لجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم)؟ هل نحكي عن استخدام العسكر الإخوان المسلمين، في بداية الثورة، من أجل إقصاء القوى الثورية والليبرالية واليسارية ذات الصوت العالي والمطالب الراديكالية، هل نحكي عن استخدام العسكر للقوى الثورية والليبرالية واليسارية، من أجل إزاحة "الإخوان" بعد ذلك.
هل تعلمنا شيئا بعد مرور سبع سنوات على الثورة التي كانت تهدف إلى الحرية والديمقراطية، ومرور أربع سنوات ونصف السنة على نجاح الثورة المضادة في 3 يوليو/ تموز 2013؟ أم سنظل كل عام نجترّ الماضي ونبكي على ما أضعناه جميعا؟
أخطاء كثيرة تم التورط فيها، مثل تصعيد قوى ثورية الخطاب الراديكالي في بعض الأوقات، بينما كان ممكنا أن تكون الحلول الوسط أكثر جدوى. أخطاء كثيرة مثل الصمت على عنف بعض المراهقين، وافتعال بعض الاشتباكات ظنا منهم أن هذا الطريق سيزيح العسكر ويعيد الحق، وكانت النتيجة سقوط شهداء جدد وزيادة نفور الناس من الثورة، وإعطاء العسكر مبرراتٍ لاستخدام القوة الغاشمة ضد المتظاهرين.
متى تستطيع الأحزاب الليبرالية بناء قواعد وأحزاب حقيقية، تستطيع المنافسة في الانتخابات،
بدلا من الاعتماد على السلطة في منافسة التيار الإسلامي؟ وكيف تكون أحزابا ليبرالية حقا كما تزعم إن كانت تصمت أمام القمع والاستبداد وتكميم الأفواه وتجريم التظاهر السلمي، وإذا كانت تصمت أمام انتهاكات حقوق الإنسان والقتل والتصفية خارج إطار القانون.
هل يمكن أن نسمع يوما عن مراجعات داخل التيار الإسلامي (الإخوان تحديدا) بشأن فكرة الحاكمية؟ هل يمكن التخلي يوما عن حلم الخلافة واعتباره مجرد نظام للحكم كان مناسبا قبل 1400 سنة، ولم يعد مناسبا بعد اندثار الإمبراطوريات الدينية وظهور فكرة الدولة القومية؟ هل يمكن التراجع عن فكرة فرض المنظور الإسلاموي (إخواني أو سلفي) على الدولة ونظام الحكم، وفرض تفسيراتهم للنصوص ورؤيتهم على الآخرين؟ متى تظهر مراجعات تحترم الآخر، وتحترم الاختلاف، وتحترم فكرة الدولة المدنية التي تشمل الجميع (مسلمين ومسيحيين وملحدين، إسلاميين وعلمانيين)، الجميع متساوٍ في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقانون؟
عندما تتحقق المراجعات من الجميع قد يكون هناك أمل يوما ما، لا ملائكة مائة بالمائة ولا شياطين مائة بالمائة. ولكن لا تزال هناك فرصة للوصول إلى فرصة ومبادئ للتعايش وإدارة الاختلاف والتعايش السلمي، على الرغم من التناقضات. وبدون تلك الصيغة، لن تنجح أي محاولات أخرى، وستتكرر الأخطاء، ونصل إلى النتيجة نفسها، إن لم تكن أسوأ.
هل أكتب عن التحضيرات والتكتيكات؟ عن يوم 28 يناير ومعركة كوبري قصر النيل؟ وروح الميدان؟ المستشفى الميداني والتعاون والمجتمع المثالي شبه الملائكي خلال الـ18 يوما. الكل يساعد الآخر، والأخ يقسم اللقمة مع أخيه، ولا أحد ينظر إلى الأيديولوجيا ولا للحزب ولا للتيار، الكل واحد، والحلم واحد.
هل نتحدث مرة أخرى عن عودة الخلافات الأيديولوجية وتضارب المشروعات والاتجاهات بعد الـ 18 يوما في ميدان التحرير؟ كان الحلم واحدا، لكنه تفتت بعد رحيل حسني مبارك، ما هو شكل الدولة التي نريدها؟ مدنية أم دولة الخلافة؟ دور المؤسسة العسكرية؟ نظام رئاسي أم برلماني؟ الانتخابات أولا أم الدستور أولا؟ ثم كانت نقطة الانفصال والانشقاق بين قوى الثورة في استفتاء مارس. ولكن من الذي تعمّد الكذب، وروّج متعمدا أن هناك نية لإلغاء مادة الشريعة من الدستور؟ ومن الذي قرّر تحويلها معركةً بين فسطاطي الإيمان والكفر؟ ومن الذي خلط الأمور، حتى يجعل الاستفتاء هو على الشريعة وشرعية المجلس العسكري معا، ألعوبة أنور السادات نفسها عندما نظم استفتاء يضيف مادة الشريعة إلى الدستور، وفي الوقت نفسه يجعل فترات الرئاسة مفتوحةً.
كانت الثورة حلما جميلا لو تحقق لكانت مصر في حال أفضل، وفي تقدم مستمر. لن يحدث
هل نتحدث عن الخديعة التي تعرّض لها كل شركاء الثورة، عندما أراح المجلس العسكري مبارك مؤقتا، ليس اقتناعا بالحرية والديمقراطية ومطالب الثورة، ولكن لإزاحة المنافسين الجدد من رجال جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع، فقط لاستمرار الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية بدون شركاء من رجال أعمال لجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم)؟ هل نحكي عن استخدام العسكر الإخوان المسلمين، في بداية الثورة، من أجل إقصاء القوى الثورية والليبرالية واليسارية ذات الصوت العالي والمطالب الراديكالية، هل نحكي عن استخدام العسكر للقوى الثورية والليبرالية واليسارية، من أجل إزاحة "الإخوان" بعد ذلك.
هل تعلمنا شيئا بعد مرور سبع سنوات على الثورة التي كانت تهدف إلى الحرية والديمقراطية، ومرور أربع سنوات ونصف السنة على نجاح الثورة المضادة في 3 يوليو/ تموز 2013؟ أم سنظل كل عام نجترّ الماضي ونبكي على ما أضعناه جميعا؟
أخطاء كثيرة تم التورط فيها، مثل تصعيد قوى ثورية الخطاب الراديكالي في بعض الأوقات، بينما كان ممكنا أن تكون الحلول الوسط أكثر جدوى. أخطاء كثيرة مثل الصمت على عنف بعض المراهقين، وافتعال بعض الاشتباكات ظنا منهم أن هذا الطريق سيزيح العسكر ويعيد الحق، وكانت النتيجة سقوط شهداء جدد وزيادة نفور الناس من الثورة، وإعطاء العسكر مبرراتٍ لاستخدام القوة الغاشمة ضد المتظاهرين.
متى تستطيع الأحزاب الليبرالية بناء قواعد وأحزاب حقيقية، تستطيع المنافسة في الانتخابات،
هل يمكن أن نسمع يوما عن مراجعات داخل التيار الإسلامي (الإخوان تحديدا) بشأن فكرة الحاكمية؟ هل يمكن التخلي يوما عن حلم الخلافة واعتباره مجرد نظام للحكم كان مناسبا قبل 1400 سنة، ولم يعد مناسبا بعد اندثار الإمبراطوريات الدينية وظهور فكرة الدولة القومية؟ هل يمكن التراجع عن فكرة فرض المنظور الإسلاموي (إخواني أو سلفي) على الدولة ونظام الحكم، وفرض تفسيراتهم للنصوص ورؤيتهم على الآخرين؟ متى تظهر مراجعات تحترم الآخر، وتحترم الاختلاف، وتحترم فكرة الدولة المدنية التي تشمل الجميع (مسلمين ومسيحيين وملحدين، إسلاميين وعلمانيين)، الجميع متساوٍ في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقانون؟
عندما تتحقق المراجعات من الجميع قد يكون هناك أمل يوما ما، لا ملائكة مائة بالمائة ولا شياطين مائة بالمائة. ولكن لا تزال هناك فرصة للوصول إلى فرصة ومبادئ للتعايش وإدارة الاختلاف والتعايش السلمي، على الرغم من التناقضات. وبدون تلك الصيغة، لن تنجح أي محاولات أخرى، وستتكرر الأخطاء، ونصل إلى النتيجة نفسها، إن لم تكن أسوأ.