"20 فبراير" المغربية: 8 سنوات من التحولات

20 فبراير 2019
شكل 20 فبراير يوماً مفصلياً في تاريخ المغرب(جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -
تحل اليوم الأربعاء الذكرى الثامنة لتظاهرات واحتجاجات حركة "20 فبراير" التي انطلقت في المغرب بموازاة الربيع العربي. وبعد مرور 8 سنوات، شهدت خلالها الحركة تحولات عدة وتراجعاً في أدائها، تعود اليوم مرة أخرى إلى الشارع، لكن في سياقات مختلفة، إن بما يتعلق بالحركة أو بالمشهد العام المغربي.

وفي الذكرى الثامنة لانطلاق حركة "20 فبراير"، دعت تيارات سياسية، ممثلة أساساً في الشبيبة الطليعية، وشبيبة النهج الديمقراطي، ومنظمة الشباب الاتحادي، وحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، إلى مسيرة وطنية اليوم الأربعاء، ستتكرر فيها المطالبة "بالإطلاق الفوري لمعتقلي الحراك الشعبي بالريف وجرادة"، وفق بيان المنظمات الشبابية. ويرفع المطالبون بتنظيم مسيرات احتجاجية، والتي يرى كثيرون أنها لن تصل في زخمها إلى مسيرات "20 فبراير" عام 2011، شعارات التغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، فيما يتهم البعض الواقفين وراء المسيرات المعلن عنها بأنهم يهدفون إلى "الاستيلاء على موروث 20 فبراير لتحقيق مكاسب نقابية ضيقة".

وخلال فترة 8 سنوات، منذ اندلاع احتجاجات حركة "20 فبراير"، التي دعت إلى محاربة الفساد ومواجهة الاستبداد، كما طالبت بإرساء ملكية برلمانية عوض ملكية تنفيذية إلى حدود منتصف ولاية النسخة الثانية من الحكومة التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" ذو المرجعية الإسلامية، جرى كثير من الأحداث السياسية في البلاد. وشكل "20 فبراير" في المغرب يوماً مفصلياً في تاريخ المغرب ما بعد الاستقلال، حتى إن هناك من بات يتحدث عن "مغرب ما قبل 20 فبراير" و"مغرب ما بعد 20 فبراير"، بالنظر إلى زخم الأحداث التي رافقت وتلت تظاهرات الحركة التي كانت تخرج كل يوم، ثم كل أسبوع في شوارع أكبر المدن المغربية، وحتى في بعض البوادي.

وينسب مراقبون فضل عودة الحياة إلى السياسة التي كان الشباب المغربي يهجرها، ولا يقترب منها طيلة سنوات، إلى حركة "20 فبراير"، لكونها كانت انطلقت بوجوه شبابية تظهر للمرة الأولى، كما قادتها فئة الشباب، ورفعت شعارات غير مسبوقة من قبيل محاربة الفساد، وعدم الجمع بين السلطة والثروة، وإقرار ملكية برلمانية، وغيرها من المطالب. وألقت تظاهرات "20 فبراير" في المغرب، بتساوق مع الأحداث والتحولات الجسيمة التي شهدتها كل من تونس ومصر وليبيا في ذلك الحين، حجراً كبيراً في بركة مياه السياسة الراكدة في البلاد، خصوصاً بعد تكرر نفس الوجوه والقيادات الحزبية، وتشابه نفس الحكومات المتعاقبة على تدبير شؤون المغاربة طيلة سنوات كثيرة. وتصدرت شريحة الشباب، مدعومة بقليل من الوجوه السياسية المخضرمة، المشهد السياسي والاحتجاجي في المغرب طيلة شهر فبراير/ شباط 2011 والأشهر التي تلته، خصوصاً أن تيارات إسلامية، ممثلة خصوصاً في جماعة "العدل والإحسان"، وتيارات يسارية، خصوصاً التوجه اليساري الراديكالي، اجتمعت على نفس الأهداف، رغم اختلاف الوسائل والشعارات. وتغير طعم السياسة بشكل واضح في المغرب، من جراء تنظيم هذه التظاهرات الحاشدة في شوارع المدن والقرى. وانتشر شعار محاربة الفساد، والمطالبة برحيل بعض الشخصيات، وبدأ المغاربة يتطلعون إلى مدى استمرار هذه الاحتجاجات والغاية منها أيضاً، مقابل رفض شرائح أخرى لحركة "20 فبراير"، قادتها خصوصاً قيادات بارزة في حزب "العدالة والتنمية"، وعلى رأسها عبد الإله بنكيران. واستمرت الاحتجاجات الشعبية بوتيرة متواصلة، والتي كان وقودها الرئيسي نشطاء ومناصرو "الجماعة"، طيلة أشهر، إلى حدود شهر ديسمبر/ كانون الأول 2011 عندما قررت هذه الأخيرة بشكل مفاجئ الانسحاب من الحركة، التي عرفت بأنها لم تكن مقادة بزعيم معين أو برنامج محدد، لينحسر الزخم الاحتجاجي بعد ذلك، وتتاح الفرصة لحزب "العدالة والتنمية".




وبعدما أسفرت الانتخابات المبكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، التي دعا إليها العاهل المغربي، محمد السادس في استجابة وصفها كثيرون بكونها جريئة وذكية، لمطالب المحتجين ومن ذلك تعديل الدستور الذي تضمن تفويض صلاحيات كبيرة إلى الحكومة، عن فوز حزب "العدالة والتنمية"، وبالتالي تصدر الحكومة بداية عام 2012، حاول الحزب "اقتباس" الشعار والمطلب الرئيسي الذي رفعته "20 فبراير" بخصوص محاربة الفساد، من خلال انطلاقة حكومة عبد الإله بنكيران بمحاربة الريع، والكشف عن المستفيدين من رخص النقل بشكل ريعي. غير أن هذه الخطوة التي رأى فيها البعض بداية إيجابية للحكومة، وخطوة نحو محاربة الفساد، سرعان ما خمدت بسبب اعتراضات عديدة. وبعد أن رفع حزب "العدالة والتنمية" شعار "محاربة الفساد" في بداية عمل الحكومة، التي علق عليها ملايين المغاربة آمالاً كبيرة، تراجع عن عدد من وعوده بسبب ما اعتبره البعض عراقيل موضوعية خارجية، وهو ما كان يسميه بنكيران "العفاريت والتماسيح" أو "الدولة العميقة"، فيما وجد آخرون أن الأسباب ذاتية من الحزب "الإسلامي" نفسه الذي كان يقدم وعوداً أكبر من حجمه.

وفي خضم مسار الحكومة الأولى والثانية التي تصدرها حزب "العدالة والتنمية"، كانت حركة "20 فبراير" تراوح مكانها عاماً بعد عام، وتكتفي بتحركات معدودة في الشوارع. كما أن أبرز وجوهها الشبابية اتخذت مواقع أخرى، وانغمست في حياتها اليومية، ولم يعد هناك وجود قوي للحركة على أرض الواقع، إلا عبر بيانات موسمية. ومقابل تراجع إشعاع "20 فبراير" كحركة شبابية وشعبية رفعت مطلب محاربة الفساد، ظهرت احتجاجات فئوية واجتماعية في أكثر من منطقة، اعتبرها العديد من المراقبين أنها استمرار للحركة لكن بشكل "لا مركزي" وجهوي، عوض تمركزها في المدن الكبرى وبدل اقتصارها على مطالب وعناوين سياسية كبيرة وضخمة، مثل محاربة الاستبداد أو الملكية البرلمانية. وهكذا اندلعت احتجاجات قوية في منطقة الريف، لا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم، خصوصاً بعد الحكم بالسجن على قائد الحراك ناصر الزفزافي بعشرين سنة، وأيضاً في مدينة جرادة، وفي زاكورة، وغيرها من المناطق. وكانت الاحتجاجات تندلع لأسباب اجتماعية وتتحول إلى مطالب بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الريع والفساد الاقتصادي، ومطلب التنمية الحقيقية، وهي مطالب لا تختلف كثيراً عن مطالب حركة "20 فبراير".

وفي الخلاصة، فإن "20 فبراير" انتهت عملياً وميدانياً بشكل بطيء منذ خروج جماعة "العدل والإحسان" من الحركة، لكنها استطاعت العيش من خارج ثوب الحركة، من خلال بث وعي احتجاجي جديد وسط المغاربة، تبلور في مسيرات واحتجاجات سلمية وحضارية، تُعبر عن مطالبها التي تراها مشروعة في مختلف القطاعات. ويُحسب للحركة الاحتجاجية، في ذكراها الثامنة، أنها كانت وراء خلق جيل جديد من الشباب الراغب في الإصلاح من داخل النظام القائم وليس خارجه، وهي الأهداف التي لم تستطع أحزاب كثيرة مسايرتها، فانعزلت عن مطالب الشباب، الذين لجأوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن رؤاهم ومطالبهم التي كثيراً ما تترجم على أرض الواقع، من قبيل حملة مقاطعة عدد من المواد الاستهلاكية، والتي حققت نجاحاً  وصل مداه إلى كل العالم.