في مشوار سياسي مثير للجدل يلفه التداخل بين المال والسلطة، أفردت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا مطولا للحديث عن حكاية صعود رجل الأعمال الأميركي، غوردون سوندلاند، ليصبح سفير بلاده لدى الاتحاد الأوروبي بعد جهود مضنية بذلها لنيل ثقة الرئيس، دونالد ترامب، ليثار اسمه بقوة في إطار الخطوات الجارية لعزل ترامب من منصب الرئاسة على خلفية قضية أوكرانيا.
الصحيفة أوضحت في بداية مقالها أن سوندلاند عمل لعقود على جمع الأموال والتبرعات لفائدة الحزب الجمهوري، وكان أحد أبرز الداعمين لحملة المرشح جيب بوش، قبل أن يتلقى عام 2016 الخبر غير السار بانسحاب الأخير من السباق نحو البيت الأبيض.
وذكرت أن سوندلاند سعى مقابل جمع التبرعات المالية لأن يلتفت إليه أحد المرشحين الفائزين يوما ما ويمنحه منصبا رفيعا نظير قيامه بالتودد لدى الأغنياء في منطقة الساحل الغربي الأميركي، فيما كان يعرب أمام أصدقائه أنه يفضل الحصول على منصب سفير.
ولما خابت آماله في بوش ولتحقيق طموحه، تورد الصحيفة، غيّر سوندلاند "جلده" السياسي كليا حينما بادر إلى دعم ترامب، الذي قال عنه حينما كان مرشحاً للرئاسيات إنه شخص لا يتقاسم معه "المعتقدات والقيم نفسها وعلى مستويات عدة". وتجسد ذلك عمليا، حينما قام سوندلاند بالتبرع بمليون دولار للجنة تنصيب ترامب في البيت الأبيض بعد فوزه بالمنصب.
لحظتها، تنقل "واشنطن بوست" بدأ سوندلاند بالاتصال بالمسؤولين المقربين من ترامب للحصول على امتيازات سياسية، ودفعهم لإقناعه بأنه سيكون لاعبا قويا ضمن فريقه. واليوم، توضح الصحيفة، فإنه وبالنظر لما قام به سوندلاند لكسب اهتمام ترامب، وكذلك للدفع بأجندة الرئيس الخاصة في أوكرانيا بصفته السفير الأميركي لدى الاتحاد الأوروبي، فذلك يجعل منه شخصية محورية في قلب التحقيق الذي يجريه الكونغرس لعزل ترامب.
وقالت الصحيفة إنه سيجري الاستماع إلى شهادة سوندلاند في الكونغرس هذا الأسبوع بعد توجيه استدعاء له، ويظل محور الاهتمام الأساسي في ذلك ما قام به خلال الصيف مع دبلوماسيين أميركيين بكييف ومحامي ترامب الخاص، رودولف جولياني. ولفتت "واشنطن بوست" إلى أنهم قاموا مجتمعين بدفع القادة الأوكرانيين إلى إصدار تصريح يلتزمون بموجبه بالتحقيق في شبهات فساد تحوم جول شركة طاقة أوكرانية، وهي الخطوة التي هدفت في الأساس إلى تشويه سمعة منافس ترامب المحتمل في الرئاسيات القادمة 2020، باستهداف نائب الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، الذي شغل ابنه، هانتر، منصباً رفيعاً في الشركة المعنية.
وأعادت الصحيفة للأذهان أنها نقلت الأحد أن سوندلاند ينوي الكشف في شهادته أنه فهم أن الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، سيحظى مقابل إصدار التصريح، بدعوة لطالما انتظرها من أجل زيارة البيت الأبيض. ومضت بالقول إن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين وكذلك دبلوماسيين أجانب بدا لهم أنه إن استطاع سوندلاند تحقيق أجندة ترامب في أوكرانيا، فسيكون بوسعه تسلق سلم المسؤوليات الحكومية. ورغم أن أحد المقربين منه نفى صحة الأمر، كما تورد "واشنطن بوست"، إلا أن مسؤولين آخرين ذكروا أن اسم سوندلاند تردد بقوة داخل مجالس الإدارة الأميركية كأحد الأسماء المرشحة لتولي منصب وزير التجارة، بدلا عن ويلبور روس.
وفي الصدد ذاته، أوردت الصحيفة تصريحا لموظف سابق في البيت الأبيض، جاء فيه: "أمضى عاماً كاملاً وهو يحاول أن يثبت بأنه ليس معارضاً لترامب"، مضيفا: "لقد حصل على منصب السفير، وكانت أمامه الفرصة لإثبات ذلك. ترامب كان يعلم بأنه يريد إثبات ولائه".
السياسة في الدم
وحكت الصحيفة عن صعود سوندلاند من الفقر إلى ريادة المال والأعمال عبر سلسلة فنادق يمتلكها، وكذا شغفه الشديد بالعمل السياسي، الذي قالت عنه زوجته، دورانت، إنه كالدم يجري في عروقه، وكيف أصبح الزوجان أحد أبرز المتبرعين لفائدة الأعمال الخيرية بمدينة بورتلاند بولاية أوريغون، من دون أن تغفل قيامه في كل الاستحقاقات الانتخابية بجمع التبرعات المالية لفائدة الحزب الجمهوري، وأيضا لغريمه الحزب الديمقراطي، وإن بمبالغ صغيرة على مستوى الولاية.
وعن ذلك قال للصحيفة، دايفيد نييرنبيرغ، أحد المستشارين في الاستثمار بولاية واشنطن، وعرف سوندلاند لأزيد من عقد من الزمن، إن العمل على تقوية شبكته من الممولين الأغنياء كان بمثابة هواية بالنسبة له.
نييرنبيرغ أضاف قائلا: "بعض الأشخاص يجمعون السيارات، وبعض الأشخاص يجمعون الخمور، وآخرون يجمعون الكتب. غوردون يجمع العلاقات، والعلاقات مع الأشخاص النشيطين في الحياة العامة مهمة جداً بالنسبة إليه".
وأوضح نييرنبيرغ أن سوندلاند أعرب له عن رغبته في تقلد منصب سفير، قائلا: "غوردون قال لي إنه مهتم بالعمل ببلد يتحدث اللغة الألمانية، كألمانيا أو النمسا، بما أن ذلك ينسجم مع ماضيه" كأحد أطفال الناجين من "المحرقة"، في إشارته إلى والديه اللذين فرا منها قبل الاستقرار بمنطقة سياتل.
كما أضاف "طيلة عدة سنوات، كان واضحا بالنسبة للعديد منا أنه كان يرغب في أن يصبح سفيراً، ولذلك أصبح سخياً جداً في ما يتعلق بمساهماته السياسية".
مهمة خاصة
رغم أن سوندلاند سبق له أن أدلى في تصريحات علنية بأنه يعترض على خطاب ترامب، حينما كان مرشحا للانتخابات الرئاسية، لأنه إقصائي ويستهدف أبناء المهاجرين حديثا إلى الولايات المتحدة، إلا أنه لم يجد أدنى حرج في تغيير قناعاته. فمباشرة بعد إعلان فوز ترامب بالرئاسيات، كما تورد الصحيفة، سارع سوندلاند إلى تقديم تبرع وصلت قيمته لمليون دولار أميركي لمصلحة لجنة تنصيب ترامب، ما جعله من بين 50 أكبر مانح، بقيمة تبرعات إجمالية غير مسبوقة وصلت إلى 107 ملايين دولار.
كل ذلك لم يقنع ترامب بالالتفات إليه، ولكن بعد جهود مضنية وسلسلة لقاءات أجراها سوندلاند مع الحلقة الضيقة من المقربين لترامب، بمن فيهم صهره ومستشاره جاريد كوشنر، وابنته إيفانكا ترامب، للحصول على منصب سفير، عيّنه ترامب سفيرا لدى الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار 2018.
وفي ما يتعلق بالتحقيق الجاري لعزل ترامب، أوضحت "واشنطن بوست" أنه على امتداد الأشهر الأخيرة، استرعى تدخل سوندلاند الحثيث لدى الإدارة الجديدة في أوكرانيا اهتمام الدبلوماسيين في بروكسل وواشنطن، بصفته أمراً غير معهود بالمرة، بالنظر لمنصبه سفيراً لدى الاتحاد الأوروبي، وهو التكتل السياسي الذي لا يشمل أوكرانيا.
وفي يوليو/ تموز، تورد الصحيفة أدلى سوندلاند بتصريحات لإذاعة محلية خلال زيارته الجمهورية السابقة في الاتحاد السوفييتي جاء فيها ذكر ترامب "لم يشرفني فحسب، بمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي، بل أيضا قلدني مهمات أخرى بينها أوكرانيا".
وفي الصدد، قالت الصحيفة إن سوندلاند ينوي أن يخبر الكونغرس هذا الأسبوع أن جذور مهمته المربكة بالحصول على تعهد من زيلينسكي بفتح تحقيق ضد شركة الطاقة بدأت في مايو/أيار، حسب شخص على اطلاع على شهادته. وكان سوندلاند قد شارك في مراسيم تنصيب زيلينسكي في ذلك الشهر.
كما ينوي كذلك القول إنه خلال اجتماع في المكتب البيضاوي في وقت لاحق، أخبره ترامب، والمبعوث الأميركي الخاص إلى أوكرانيا، كورت فولكر، ووزير الطاقة، ريك بيري، بأن أي لقاء يجريه وجها لوجه مع الرئيس الأوكراني الجديد ينبغي أن يطلع عليه مسبقا، جولياني، المحامي الخاص للرئيس الأميركي.
ويخطط سوندلاند كذلك للقول إنه على امتداد الأسابيع اللاحقة علم وفولكر، والقائم بأعمال السفير بأوكرانيا، وليام تايلور، بأن جولياني كان يشترط قبل إجراء أي لقاء مع زيلينسكي، أن تقوم إدارته بالإعلان رسميا بأنها بصدد محاربة الفساد، بما في ذلك استهداف "بوريسما" شركة الطاقة التي يرتبط بها اسم نجل بايدن.