ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا، أمس الثلاثاء، أنه تم إجلاء ما يزيد على 500 مواطن صيني من اليمن، وقد وصلوا آمنين إلى مدينة جيبوتي قبل أن تقلهم قافلة بحرية صينية يومي الأحد والإثنين، هرباً من الخطر المتزايد في اليمن.
يمكن إغفال تدخل الصين البسيط نسبياً وسط شبكة التحالفات الفوضوية في الصراع اليمني الجديد، ولكنه يظل مؤشراً هاماً لقوى الصين الجيوسياسية المتنامية التي حازت على الكثير من الاهتمام في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وكذلك في الشرق الأوسط. وقد تبدو عملية الإجلاء جزءاً من تقليص الخسائر، ولكنها في واقع الأمر يمكن أن تؤدي غرضاً استراتيجياً هاماً، بهدف توسيع نفوذ الصين في المنطقة.
يعود اهتمام الصين باليمن إلى عدة عقود مضت، حيث بدأت مساعدات الصين لتطوير البُنى التحتية هناك منذ خمسينيات القرن الماضي. ولكن في السنوات الأخيرة ازداد عمق العلاقة بين البلدين بشكل واضح، ففي عام 2013، استقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره اليمني عبد ربه منصور هادي في زيارته الرسمية العاصمة الصينية بكين، واتفق البلدان على التعاون العسكري. كما أعلنت بكين تقديم قرض بقيمة 507 ملايين دولار للمساعدة في تطوير ميناء عدن ذلك العام، على الرغم من إعلان بعض وسائل الإعلام المحلية وقف القرض قبل موعد البدء المقرر.
بالنسبة للصين كان منطق العلاقة مع اليمن واضحاً، فالنفط اليمني يمكنه أن يزود اقتصاد الصين المتنامي بالطاقة، حيث تستثمر الصين في صناعة النفط اليمني منذ أكثر من 10 سنوات. كما يوجد عنصر أخر لا يقل أهمية عن النفط، وهو الموقع الجغرافي، فاليمن ليس فحسب قريباً من القرن الأفريقي – حيث تركت الصين بصمة اقتصادية كبيرة –، بل إن موقعه المطل على خليج عدن جعله موقعاً استراتيجياً بالنسبة لقناة السويس. وفي الواقع فإن السفن التي أنقذت المواطنين الصينيين هذا الأسبوع كانت جزءاً من عملية دولية، انضمت لها الصين عام 2008 لمواجهة القرصنة في المنطقة.
منذ سقوط اليمن في هذه الحالة من الفوضى في بداية عام 2015، ومع اضطرار هادي لترك العاصمة صنعاء، أبقت الصين على مصالحها هناك، حيث استمر شحن النفط من اليمن. وقد أفادت وكالة رويترز للأنباء بأن شحنات النفط ارتفعت بنسبة 315 في المائة في الشهرين الأولين من عام 2015 مقارنة بنفس الفترة عام 2014. وهكذا أظهرت الحكومة الصينية جانبها العملي، حيث أفادت تقارير أخيرة بأن ممثليها التقوا بالحوثيين الذين سيطروا على صنعاء في بداية العام الحالي لمناقشة الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
يمتد هذا الجانب العملي ليشمل عملية الإجلاء الجماعية لمعظم الرعايا الصينيين في اليمن. وكما قالت الكاتبة جين بيرليز في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن التحرك السريع للبحرية الصينية سيمثل خطوة جيدة بالنسبة للرأي العام في الصين، تأكيداً على حماية الرعايا الصينيين في جميع أنحاء العالم. وقد تعهد السفير الصيني في اليمن بمواصلة فتح السفارة في صنعاء والقنصلية في عدن.
وفي مقال نشرته وكالة أنباء شينخوا الحكومية، قال الكاتب وانغ بوين إن عملية الإجلاء السريعة أظهرت "مسؤولية" الحكومة الصينية و"إنسانيتها". وقد بات من المتوقع أن تقوم الحكومة الصينية بإجلاء رعاياها من الأوضاع الخطيرة، ففي عام 2011، أرسلت الصين عدداً من السفن لإجلاء 35 ألف مواطن صيني من ليبيا بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك، بالإضافة إلى 2.100 مواطن من بلدان أخرى (بمن فيهم مواطنون من مصر ورومانيا هذا الأسبوع).
وبينما تتخذ الصين خطوات بارزة للحفاظ على فرصها في اليمن، تقوم بلدان أخرى بأعمال محدودة. فقد وصل وزير الخارجية الهندي ف.ك. سينغ إلى جيبوتي يوم الثلاثاء للإشراف على إجلاء محدود للرعايا الهنود في اليمن. إلى ذلك، أجرت روسيا محادثات اقتصادية مع الحوثيين، على الرغم من علاقتها المحدودة باليمن منذ سقوط الاتحاد السوفييتي.
اقرأ أيضاً: مساع إيرانية لبحث مقترح حل أزمة اليمن
المصدر: واشنطن بوست