تتوالى الشهادت للمفرج عنهم من داخل أقبية سجون النظام السوري، التي تؤكد أن مرور أكثر من ثلاث سنوات على الثورة السورية لم يبدّل في سياسة النظام بالتنكيل بمعارضيه عبر اعتماد القتل الجماعي الممنهج والتعذيب المروّع.
وبينما لا يكاد يمر يوم من دون أن تتبلّغ أسرة سورية عن مقتل أحد أبنائها تحت التعذيب ولو بعد أشهر من الوفاة، تواصل المنظمات الحقوقية توثيق جرائم النظام السوري المروعة والتأكيد على ضرورة محاسبة المسؤولين عنها.
وفي السياق، أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الخميس، أن شهادات قدمها معتقلون أفرج عنهم حديثاً من سجون النظام السوري، تؤكد وجود "عمليات قتل جماعي" بحق المحتجزين المعارضين لنظام بشار الأسد، مشيرة إلى أن هذه الجرائم يجب أن تعطى الأولوية في أي محاسبة قد يخضع لها النظام.
ولفتت المنظمة، بحسب وكالة "الأناضول"، إلى أن "محتجزين سابقين في سورية قدّموا روايات مروّعة، أكّدت مزاعم أحد العسكريين المنشقين بحصول عمليات قتل جماعي في حق محتجزين"، في إشارة إلى جندي منشق، أطلق عليه الاسم الحركي "قيصر"، قام بالتقاط 55 ألف صورة لما يقارب 11 ألف جثة في مستشفيات عسكرية وأماكن أخرى في دمشق. وظهرت على الجثث علامات التجويع والضرب الوحشي والخنق وغير ذلك من أشكال التعذيب والقتل.
وكان فريق من محامين دوليين بارزين وخبراء في الطب الشرعي نشر في يناير/ كانون الثاني الماضي، تقريراً خلُص إلى أن السلطات السورية "قامت بتعذيب وقتل محتجزين بشكل ممنهج".
وأشار البيان إلى أن أربعة محتجزين مُفرج عنهم من سجن صيدنايا العسكري في 2014 تحدثوا لـ"هيومن رايتس ووتش" عن "عمليات قتل داخل السجن، وظروف احتجاز قاسية، جاءت متناسبة بشكل كبير مع إدعاءات العسكري المنشق الذي نشر صور آلاف الجثث في مستشفيات عسكرية في دمشق".
وأضاف أن روايات الشهود المتعلقة بخسارة الوزن، تتطابق مع الصور التي التقطها "قيصر"، فـ"الجثث المصورة بدت هزيلة جداً، واتسمت ببروز الضلوع وعظام الورك ووجود تجويفات على مستوى الوجه".
وقال الباحث الأول في الطوارئ في "هيومن رايتس ووتش"، أولي سولفانغ، بحسب ما نقله البيان، إن "الروايات التي قدمها الأشخاص الأربعة المُفرج عنهم حديثاً، والذين أجرينا معهم مقابلات، أضفت مصداقية أكبر على أدلة الإدانة المتوفرة بشأن عمليات القتل الجماعي في سجون سورية".
وشدد سولفانغ على أنه "عندما تتم محاسبة السلطات السورية، ستكون عمليات القتل أثناء الاحتجاز واحدة من الجرائم الأولى التي سيتعيّن عليها الإجابة عنها".
وأضاف: "لقد تم توثيق جرائم الحكومة السورية بشكل جيد، إلا أن هذه الصور تقدم دليلاً قوياً آخر عن المعاملة الرهيبة التي يلقاها معارضو الحكومة". واعتبر أنه "لن يحتاج مجلس الأمن إلى أدلة أكثر قوة لاتخاذ إجراءات دولية تردع سورية عن ارتكاب مزيد من الجرائم".
وقال المحتجزون السابقون الأربعة، لـ"هيومن رايتس"، إنهم شاهدوا محتجزين آخرين "يموتون في سجن صيدنايا في دمشق بسبب الضرب والتعذيب وسوء التغذية والمرض"، بحسب البيان.
كما تحدث المحتجزون السابقون، وجميعهم احتجزوا لفترة تراوح بين 21 و30 شهراً، أمضوا معظمها في سجن صيدنايا، عن ظروف قاسية جداً، مثل "الاكتظاظ، ونقص الغذاء، ونقص التدفئة والتهوية، والخدمات الطبية السيئة، والظروف الصحية المتردية، ما جعلهم يعانون من الإسهال والأمراض الجلدية". واشاروا إلى أنهم جميعاً "فقدوا الكثير من أوزانهم أثناء فترة الاحتجاز"، إلى درجة أن أحدهم فقد أكثر من نصف وزنه، فصار يزن 50 كيلوغراماً فقط عندما أطلق سراحه.
وقال اثنان من المحتجزين السابقين إنهما شاهدا "نقل الجثث من سجن صيدنايا إلى مستشفى تشرين العسكري، المعروف بالمستشفى 607، شمال دمشق"، وهو ما يتقاطع مع ما كشفه "قيصر" من أنه جرى تجميع بعض الجثث في هذا المستشفى، وإن صوره التقطت هناك.
وقال محتجز من بين الاربعة إنه كانت توجد سبع جثث في الشاحنة التي نقلته إلى مستشفى تشرين لتلقي العلاج، بينما تحدث محتجز آخر عن وجود جثتين في العربة التي نقل فيها إلى مستشفى تشرين للمرة الثانية. وقال إن حراس السجن أجبروه على وضع قرابة 20 جثة في أكياس بلاستيكية أثناء فترة إقامته في المستشفى.
وأفاد المحتجزون السابقون بأن سلطات السجن كانت تضع أرقام هوية على السجناء وأيضاً على الجثث أثناء نقلها إلى المستشفى، وكثيراً ما تُكتب هذه الأرقام على الجبين.
ويظهر في صور "قيصر"، التي قامت "هيومن رايتس ووتش" بمراجعتها، شخص وهو يمسك ورقة عليها رقم، بينما يظهر الرقم في صور أخرى مكتوب بشكل مباشر على الجثة.
كما قال المحتجزون السابقون، لـ"هيومن رايتس ووتش"، إنهم "شاهدوا وعانوا من أعمال تعذيب مروعة في سجن صيدنايا وغيره من فروع أجهزة الأمن التي احتجزوا فيها في البداية، بما في ذلك فروع الاستخبارات العسكرية 293 و215، المعروفة بفرع فلسطين، وفرع الاستخبارات الجوية في المزة، وفرع الاستخبارات العسكرية في اللاذقية".
وكانت "هيومن رايتس ووتش" قد وثّقت في تقريرها "أقبية التعذيب"، الذي أصدرته في 2012، استخدام التعذيب بشكل ممنهج وعلى نطاق واسع في 27 مركز احتجاز تابع لأجهزة الأمن السورية، بما فيها هذه المراكز الخمسة.
وقال أحد المحتجزين السابقين عن صديق له كان معه في الزنزانة نفسها وتوفي بسبب الإسهال: "كان يشبه الجثث الموجودة في صور قيصر".
يشار إلى أن الصور التي قدمها "قيصر"، دفعت مجلس الأمن الى التصويت في 22 مايو/ أيار على إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية التي لها صلاحية التحقيق في الانتهاكات المزعومة التي ارتكبتها جميع الأطراف في سورية.
وكانت أكثر من مئة منظمة غير حكومية قد دعت المجلس إلى تمرير القرار، ودعمته أكثر من ستين دولة، وصوّتت لصالحه 13 دولة من بين 15 دولة عضواً في المجلس، لكن روسيا والصين منعتا تمرير القرار عبر استخدام حق النقض.