يبدو أنّ مشكلة جديدة أُضيفت إلى قائمة طويلة من الأزمات التي تُثقل كاهل الكثير من العائلات السورية في مناطق سيطرة النظام. ما إن انتهت من تأمين الزي المدرسي والقرطاسية، حتى بدأت تُلاحظ مشاكل أخرى تتعلق بتدهور العملية التعليمية في المدارس، في ظل نقص المدرسين وضعف مستوى جزء كبير منهم، عدا عن الازدحام في الصفوف.
ويقول أمجد سلامة، وهو والد تلميذين في المرحلة الابتدائية، لـ "العربي الجديد": "الأسبوع الأول لأبنائي في المدرسة تحوّل إلى كابوس لي ولهما. كأنه ينقصنا في هذا البلد ما يزيد من همومنا. خلال الأيام الأولى، لم يتعلّم الأطفال أي شيء. كأنهم كانوا داخل سجن في الصف، يُمنعون من الكلام والحركة. نتكلم عن نحو 40 طفلا في غرفة لا تتجاوز مساحتها 20 متراً مربعاً. خلال الشهر الماضي، تغيّرت المُدرّسة، وكان لكلّ منهما طريقتها في الشرح، ما أثر سلباً على التلاميذ".
اقــرأ أيضاً
يضيف سلامة: "بسبب التأخّر في البدء بإعطاء الدروس، تُحاول المُدرّسة التعويض من خلال تكثيف الدروس. ويعجز بعض التلاميذ عن اللّحاق بالمدرّسة، حتى أصبحت الدروس تتراكم، ما أثّر على مستواهم". ويوضح أن التلميذ لا يأخذ حقه خلال الشرح، ولا يتاح له فرصة للتفاعل. من جهة أخرى، ترغب المدرّسة في إتمام أكبر قدر ممكن من المنهاج".
من جهتها، تقول وداد الخاني، وهي أم تلميذ في الصف السادس، لـ "العربي الجديد": "لم نعد نستطيع مساعدة أبنائنا في الدراسة. ضغوط العمل لا تسمح لنا بالجلوس معهم أو تدريسهم. الحياة في سورية لم تعد ميسّرة، والراتب لا يؤمّن احتياجاتنا. أعمل في وظيفتين ولا أعود إلى المنزل إلا الساعة التاسعة والنصف مساء، وزوجي يعود في منتصف الليل". تضيف: "كنت أسأل ابني عن وضع الدراسة والمدرسة قبل أيام، وأنظر إلى كتبه. قرأت مسألة رياضية حلّت بشكل خاطئ. في اليوم التالي، اتصلت بمدير المدرسة، فأخبرني بأن مدرّسة ابني تحمل شهادة تعليم ثانوية وهي ضعيفة في الرياضيات".
ثم سألته: "لماذا تدرّس الرياضيات، علماً أن المنهاج ليس بسيطاً ويحتاج إلى مدرّس متخصّص؟". يجيب بأنها توجيهات الوزارة. "لكن ما ذنب أبنائنا؟ لا جواب. لذلك نضطر إلى البحث عن بدائل، وهذا يتطلب إما أن نجد وقتاً لتدريس أبنائنا وإما مدرساً خصوصياً. طبعاً، تكاليف المدرّس سنقتطعها من قوتنا اليومي، لكنني أعمل وزوجي من أجل تأمين حياة كريمة ولا نريده أن يخسر دراسته".
من جهته، يقول زاهي المصري، والد طفل في الصف الثاني، لـ "العربي الجديد": "لم أكن أتخيل أن يأتي يوم في سورية يحتاج تلميذ في المرحلة الابتدائية إلى مدرّس خصوصي، أو دورة تعليمية. حين كنت في المدرسة، كان التلاميذ يلتحقون بدورات تعليمية في حال كان هناك تقديم لشهادة التاسع أو البكالوريا. اليوم، بات الأهل يستعينون بمدرسين خصوصيين في وقت مبكر". يضيف: "أصبح ابني في الصف الثاني، وما زال لا يتقن كتابة الكثير من الأحرف. هذا أمر طبيعي لتلميذ في صفه أكثر من أربعين تلميذاً، في حين أن الصف يجب ألا يتجاوز 25 تلميذاً. مدة الحصة 45 دقيقة، ما يجعل حصة التلميذ نحو دقيقة. كيف ستجد المدرّسة الوقت للاطلاع على ما يكتبه التلاميذ؟". يضيف: "ما يجبرني وغيري على الاستعانة بمدرس خصوصي أو مركز تعليمي خاص، هو ترميم العملية التعليمية في المدرسة".
ويبيّن المصري أن غالبية المدرّسين طلبوا 1500 ليرة عن كل ساعة تدريس. لكنني تعرّفت على مدرّسة قبلت بألف ليرة، على أن تأتي ثلاثة أيام في الأسبوع، ما يعني أنني أدفع 12 ألف ليرة في الشهر، عدا عن الجلسات الخاصة أيام الامتحانات، ما يعادل نصف راتب موظف في الدولة. تصوّر إذا كان لدى العائلة أكثر من تلميذ في المدرسة. ويزداد سعر الدرس الخصوصي كلّما كبر التلاميذ، ليصل في الصف الثالث ثانوي إلى 3 أو 4 آلاف ليرة، بحسب شهرة المدرّس.
بدورها، تقول مديرة مدرسة في مدينة دمشق تُدعى منى، لـ "العربي الجديد": "للأسف، نفاجأ كلّ عام بأن نسبة كبيرة من المقبولين كمدرسين ليسوا في المستوى المطلوب. وهناك معايير عدة يجب أن تكون متوفرة، أحدها الشهادة العلمية. كما يجب أن يكون المدرس قادراً على تحمّل الضغوط النفسية، ويتمتع بشخصية قوية، والقدرة على التواصل وإيصال الفكرة. إلا أن المعيار الوحيد للأسف أصبح الشهادة، والدافع لدى الغالبية هو الحصول على المال من التلاميذ الذين تحولوا إلى زبائن. فإن أعطى المدرس 10 تلاميذ من أصل 40 أو 50 في الصف دروساً خصوصية، سيؤمّن أربعة أضعاف راتبه الشهري".
اقــرأ أيضاً
تضيف: "فقدنا، خلال السنوات الأخيرة، جزءاً كبيراً من الكادر التدريسي. منهم من هاجر، ومنهم من قُتل، ومنهم من حوصر أو كان في مناطق خرجت عن سيطرة وزارة التربية، ومنهم من سُحب إلى الخدمة العسكرية الاحتياطية، أو فضّل عدم الالتحاق بالقوات النظامية. وبعض المدرّسات استقلن لأنهن يدرّسن في مناطق غير آمنة. وما إن ينهي الخريجون الجدد دراستهم الجامعية حتى يغادروا البلد هرباً من الخدمة العسكرية الإجبارية. كل ذلك، وغيرها من الأسباب، جعلت المدارس السورية فقيرة كماً ونوعاً، ولا يبدو أن هناك أية رؤية استراتيجية لدى وزارة التربية للتعامل مع هذه الكارثة، كما أعتقد. ففصل المدرسين مستمر، بغضّ النظر عن كفاءاتهم. كما أن توظيف المدرسين أصبح بالتزكية".
ويقول أمجد سلامة، وهو والد تلميذين في المرحلة الابتدائية، لـ "العربي الجديد": "الأسبوع الأول لأبنائي في المدرسة تحوّل إلى كابوس لي ولهما. كأنه ينقصنا في هذا البلد ما يزيد من همومنا. خلال الأيام الأولى، لم يتعلّم الأطفال أي شيء. كأنهم كانوا داخل سجن في الصف، يُمنعون من الكلام والحركة. نتكلم عن نحو 40 طفلا في غرفة لا تتجاوز مساحتها 20 متراً مربعاً. خلال الشهر الماضي، تغيّرت المُدرّسة، وكان لكلّ منهما طريقتها في الشرح، ما أثر سلباً على التلاميذ".
يضيف سلامة: "بسبب التأخّر في البدء بإعطاء الدروس، تُحاول المُدرّسة التعويض من خلال تكثيف الدروس. ويعجز بعض التلاميذ عن اللّحاق بالمدرّسة، حتى أصبحت الدروس تتراكم، ما أثّر على مستواهم". ويوضح أن التلميذ لا يأخذ حقه خلال الشرح، ولا يتاح له فرصة للتفاعل. من جهة أخرى، ترغب المدرّسة في إتمام أكبر قدر ممكن من المنهاج".
من جهتها، تقول وداد الخاني، وهي أم تلميذ في الصف السادس، لـ "العربي الجديد": "لم نعد نستطيع مساعدة أبنائنا في الدراسة. ضغوط العمل لا تسمح لنا بالجلوس معهم أو تدريسهم. الحياة في سورية لم تعد ميسّرة، والراتب لا يؤمّن احتياجاتنا. أعمل في وظيفتين ولا أعود إلى المنزل إلا الساعة التاسعة والنصف مساء، وزوجي يعود في منتصف الليل". تضيف: "كنت أسأل ابني عن وضع الدراسة والمدرسة قبل أيام، وأنظر إلى كتبه. قرأت مسألة رياضية حلّت بشكل خاطئ. في اليوم التالي، اتصلت بمدير المدرسة، فأخبرني بأن مدرّسة ابني تحمل شهادة تعليم ثانوية وهي ضعيفة في الرياضيات".
ثم سألته: "لماذا تدرّس الرياضيات، علماً أن المنهاج ليس بسيطاً ويحتاج إلى مدرّس متخصّص؟". يجيب بأنها توجيهات الوزارة. "لكن ما ذنب أبنائنا؟ لا جواب. لذلك نضطر إلى البحث عن بدائل، وهذا يتطلب إما أن نجد وقتاً لتدريس أبنائنا وإما مدرساً خصوصياً. طبعاً، تكاليف المدرّس سنقتطعها من قوتنا اليومي، لكنني أعمل وزوجي من أجل تأمين حياة كريمة ولا نريده أن يخسر دراسته".
من جهته، يقول زاهي المصري، والد طفل في الصف الثاني، لـ "العربي الجديد": "لم أكن أتخيل أن يأتي يوم في سورية يحتاج تلميذ في المرحلة الابتدائية إلى مدرّس خصوصي، أو دورة تعليمية. حين كنت في المدرسة، كان التلاميذ يلتحقون بدورات تعليمية في حال كان هناك تقديم لشهادة التاسع أو البكالوريا. اليوم، بات الأهل يستعينون بمدرسين خصوصيين في وقت مبكر". يضيف: "أصبح ابني في الصف الثاني، وما زال لا يتقن كتابة الكثير من الأحرف. هذا أمر طبيعي لتلميذ في صفه أكثر من أربعين تلميذاً، في حين أن الصف يجب ألا يتجاوز 25 تلميذاً. مدة الحصة 45 دقيقة، ما يجعل حصة التلميذ نحو دقيقة. كيف ستجد المدرّسة الوقت للاطلاع على ما يكتبه التلاميذ؟". يضيف: "ما يجبرني وغيري على الاستعانة بمدرس خصوصي أو مركز تعليمي خاص، هو ترميم العملية التعليمية في المدرسة".
ويبيّن المصري أن غالبية المدرّسين طلبوا 1500 ليرة عن كل ساعة تدريس. لكنني تعرّفت على مدرّسة قبلت بألف ليرة، على أن تأتي ثلاثة أيام في الأسبوع، ما يعني أنني أدفع 12 ألف ليرة في الشهر، عدا عن الجلسات الخاصة أيام الامتحانات، ما يعادل نصف راتب موظف في الدولة. تصوّر إذا كان لدى العائلة أكثر من تلميذ في المدرسة. ويزداد سعر الدرس الخصوصي كلّما كبر التلاميذ، ليصل في الصف الثالث ثانوي إلى 3 أو 4 آلاف ليرة، بحسب شهرة المدرّس.
بدورها، تقول مديرة مدرسة في مدينة دمشق تُدعى منى، لـ "العربي الجديد": "للأسف، نفاجأ كلّ عام بأن نسبة كبيرة من المقبولين كمدرسين ليسوا في المستوى المطلوب. وهناك معايير عدة يجب أن تكون متوفرة، أحدها الشهادة العلمية. كما يجب أن يكون المدرس قادراً على تحمّل الضغوط النفسية، ويتمتع بشخصية قوية، والقدرة على التواصل وإيصال الفكرة. إلا أن المعيار الوحيد للأسف أصبح الشهادة، والدافع لدى الغالبية هو الحصول على المال من التلاميذ الذين تحولوا إلى زبائن. فإن أعطى المدرس 10 تلاميذ من أصل 40 أو 50 في الصف دروساً خصوصية، سيؤمّن أربعة أضعاف راتبه الشهري".
تضيف: "فقدنا، خلال السنوات الأخيرة، جزءاً كبيراً من الكادر التدريسي. منهم من هاجر، ومنهم من قُتل، ومنهم من حوصر أو كان في مناطق خرجت عن سيطرة وزارة التربية، ومنهم من سُحب إلى الخدمة العسكرية الاحتياطية، أو فضّل عدم الالتحاق بالقوات النظامية. وبعض المدرّسات استقلن لأنهن يدرّسن في مناطق غير آمنة. وما إن ينهي الخريجون الجدد دراستهم الجامعية حتى يغادروا البلد هرباً من الخدمة العسكرية الإجبارية. كل ذلك، وغيرها من الأسباب، جعلت المدارس السورية فقيرة كماً ونوعاً، ولا يبدو أن هناك أية رؤية استراتيجية لدى وزارة التربية للتعامل مع هذه الكارثة، كما أعتقد. ففصل المدرسين مستمر، بغضّ النظر عن كفاءاتهم. كما أن توظيف المدرسين أصبح بالتزكية".