كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أنّ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتسوية في الشرق الأوسط "صفقة القرن"، استحوذت على جزء كبير من المباحثات التي أجراها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع أركان الإدارة الأميركية، في واشنطن.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير نُشر على موقعها، مساء الجمعة، أنّ كلا من جاريد كوشنر، مستشار البيت الأبيض وصهر ترامب، وبن سلمان، أمضيا، قبل أسبوع، ساعات طويلة وعلى مدى ليلتين، في بحث مستقبل الخطة، وذلك على هامش الزيارة الحالية التي يقوم بها ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أميركية، قولها، إنّ "إدارة ترامب تراهن على الدعم المالي والمعنوي الذي يمكن أن تقدّمه الدول العربية، والذي قد يجعل تطبيق الخطة الأميركية أمراً ممكناً"، مشيرة إلى أنّه "على الرغم من اعتراض الأطراف العربية على قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، إلا أنّ لدى هذه الأطراف ثقة كبيرة في ترامب، تضمن تجنيدها لدفع الخطة قدماً".
ونقلت الصحيفة عن مصادر في البيت الأبيض، قولها، إنّ "الإدارة الأميركية عبّرت عن رضاها عن موقف ملك الأردن عبد الله الثاني، الذي على الرغم من رفضه قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، إلا أنّه شدد، في الوقت ذاته، على أن لا بديل عن الولايات المتحدة كراعية للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية".
وتراهن واشنطن، بحسب مصدر حكومي إسرائيلي لـ"هارتس"، على دور الأنظمة العربية في تمرير خطة ترامب للتسوية، على الرغم من أنّها تتضمن بنوداً لا يمكن للفلسطينيين قبولها، إذ تنصّ على عدم تفكيك أي من المستوطنات، وضمان مواصلة احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على سائر الضفة الغربية.
وأشار المصدر، إلى أنّ الخطة الأميركية تضمن الحفاظ على المستوطنات في الضفة الغربية، لافتاً إلى أنّ أكثر ما يراهن عليه الأميركيون هو إقناع تل أبيب بعدم العمل على توسيع المستوطنات القائمة.
وأوضحت الصحيفة، أنّ السفير الأميركي في تل أبيب، ديفيد فريدمان، عبّر عن هذا التوجّه عندما أخبر قادة أميركيين يهوداً، الشهر الماضي، أنّه لا يمكن إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية، "لأنّ مثل هذه الخطوة يمكن أن تفضي إلى نشوب حرب أهلية إسرائيلية".
ووفق الصحيفة، فإنّ العامل الثاني الذي يجعل من المستحيل على الفلسطينيين، قبول مقترحات الخطة الأميركية، يتمثّل في قبول إدارة ترامب موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، القائل إنّ مصالح إسرائيل الاستراتيجية، تقتضي مواصلة الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على كل الضفة الغربية في أية تسوية.
ونقلت "هآرتس" عن المصدر الإسرائيلي قوله، إنّ "المطالبة بأن يقبل الفلسطينيون احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية في أرجاء الضفة الغربية، يعني عملياً مواصلة الاحتلال الفعلي للأراضي الفلسطينية".
وأوضح المصدر، أنّه على الرغم من حجم التنازلات التي يتوجّب على الفلسطينيين تقديمها في الخطة الأميركية، فإنّ نتنياهو يعترض على تسمية "أبو ديس" عاصمة للدولة الفلسطينية، ناهيك عن تحفّظه على أي طلب أميركي بتجميد البناء في المستوطنات.
افتراضات إدارة ترامب
وفي السياق، نقلت "هآرتس" عن مصادر في البيت الأبيض، قولها، إنّ الإدارة الأميركية أجرت قبل إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، محادثات مع عدة أطراف، لتجهيز البيئة لصدور هذا الإعلان.
وانطلقت الإدارة الأميركية، وفق المصادر، من افتراض مفاده بأنّ الغضب الفلسطيني على قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة المقدسة، سيخف لدرجة تسمح بعودة ممثلي السلطة للمفاوضات مع إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ إدارة ترامب توصّلت إلى هذا الافتراض، في أعقاب إجراء كوشنر ومبعوث الإدارة الأميركية إلى المنطقة، جيسون غرينبلات، مشاورات مكثفة مع دبلوماسيين أجانب وصحافيين ومختصين في مجال السياسة الخارجية.
ونقلت الصحيفة عن أحد الأشخاص الذين تشاور معهم طاقم البيت الأبيض، بشأن قرار ترامب بخصوص القدس، قوله: "لقد كانت لديهم قناعة بأنّ خطاب ترامب سيفضي في البداية إلى صعوبات، لكن في الوقت ذاته اعتقدوا أنّ إعلان الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقرار النقل السفارة الأميركية إليها، كان سيسّهل على واشنطن، في المدى البعيد، مهمة استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين".
ونقلت الصحيفة، عن شخص آخر تشاور معه طاقم ترامب، قوله إنّ "فريق ترامب انطلق من افتراض مفاده بأنّ قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، كان يمكن أن يسّهل على إسرائيل تقديم تنازلات".
رهانات في غير مكانها
ولفت معدّا التقرير في "هآرتس"، أمير تيفون، ونوعا لانداو، إلى أنّ الواقع دلل على أنّ رهانات البيت الأبيض لم تكن في مكانها، حيث ردّ الفلسطينيون على خطوة ترامب بمقاطعة الولايات المتحدة.
ونقل تيفون ولانداو، عن مصدر كبير في البيت الأبيض، قوله، إنّه لا يوجد وقت محدد للإعلان عن المقترحات الأميركية للتسوية "بسبب ضبابية المشهد السياسي داخل إسرائيل، والأوضاع الأمنية في قطاع غزة والضفة الغربية، إلى جانب تحوّط الإدارة لردود الفعل على قرار ترامب المتوقع للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران".
وبحسب المصدر، فإنّه "لو لم يكن فريق ترامب على قناعة بأنّ مركبات الخطة التي أعدتها الإدارة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يمكن أن تشكّل أساساً لتحقيق التسوية لما استثمرنا فيه كل الجهد".
لكن الصحيفة نقلت أيضاً عن حسين أفييش، كبير الباحثين في "مركز دراسات الخليج"، ومقره واشنطن، قوله إنّه "على الرغم من أنّ هناك الكثير من المسوغات التي تدفع الدول الخليجية للتقرّب من إسرائيل، بفعل متطلبات مواجهة إيران، إلا أنّ قدرتها على إجبار الفلسطينيين على قبول خطة ترامب للتسوية محدودة للغاية".