كتب محرّر الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" تسفي برئيل، في تقرير موسع نشره اليوم الجمعة، أنه على الرغم من المواقف العلنية لكتاب مؤيدين لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول اتفاقيتي إشهار التطبيع بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل، إلا أن مصر تبدي إلى جانب الأردن، التي اكتفت صحفها بتغطية جافة للحدث، مخاوف من الاتفاقيتين.
وبحسب المحرر العبري، فإن حالة البلبلة ظهرت في مواقف "المثقفين والكتاب في كيفية التعامل مع الاتفاقيتين"، إلا أن كلاً من مصر والأردن تبديان مخاوف من أن تؤدي الاتفاقيتان إلى تراجع ملموس في مكانة الدولتين لدى الولايات المتحدة الأميركية، وتضر بقدرتيهما على التأثير على مواقف وسياسات حكومة إسرائيل.
واستعرض برئيل في مستهل تعليقه على الاتفاقيتين، كتابات أنصار السيسي المؤيدة للاتفاقيتين والمهاجمة للفلسطينيين، كما توقف عند كون الدولتين، مصر والأردن، حليفتين للإمارات، وحصولهما سابقاً على دعم إماراتي كبير وضخم، يقدر بنحو 800 مليون دولار للأردن، وعدة مليارات من الدولارات لنظام السيسي، لينتقل بعدها مباشرة إلى الحديث عن مخاوف الدولتين من فقدان مكانتهما لدى الولايات المتحدة أولاً وإسرائيل ثانياً، خاصة في حال انضمت دول عربية أخرى لاتفاقيات تطبيع مع إسرائيل.
وبحسبه، فإن المساعدات الإماراتية واستشاراتها الضخمة في مصر إلى جانب كون النظام المصري جزءا من الحلف السعودي - الإماراتي ضد جماعة "أنصار الله"(الحوثيين) في اليمن، فضلاً عن شراكته مع الإمارات في الحرب في ليبيا ضد حكومة الوفاق، كلها أسباب تلزم "النظام المصري بالدفاع عن اسم الإمارات، وصد كل انتقاد ضدها وتفضيل المصلحة الاقتصادية - العسكرية على وحدة الموقف العربي الذي يطالب بإنقاذ فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي".
ولا يختلف حال الأردن عن مصر، بحسب برئيل، فقد تلقت في العام الماضي 300 مليون دولار مساعدات من الإمارات، وحصلت في السنوات الأخيرة على مساعدات تصل لنحو 1.5 مليار دولار، ناهيك عن أن 300 ألف مواطن أردني يعملون في الإمارات ويحولون سنوياً ما يوازي ملياري دولار.
ووفقاً لبرئيل، "فإن مصر والأردن كانتا لغاية الآن (المفضلتين) في واشنطن، وحظيتا ليس فقط بالدعم الساسي وإنما أيضاً بدعم مالي سخي: مصر بسبب معاهدة كامب ديفيد، والأردن بفضل التعاون الأمني الوثيق مع إسرائيل".
وأضاف أن "الأهم من ذلك هو علاقاتهما المميزة مع إسرائيل والتي كانت رافعة لتأثيرهما على سلوك القدس في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الأماكن المقدسة، التي تقع تحت الوصاية الأردنية وفقاً للاتفاقيات مع الأردن".
وينقل برئيل أن محللين وكتابا في مصر يطرحون الآن بحذر تقديرات بأنه كلما زاد عدد الدول المنضمة لـ"حلقة أصدقاء إسرائيل" سيتضاءل تأثير مصر على إسرائيل، وفي الشرق الأوسط العربي عموماً.
واعتبر أن ما عكس هذه المخاوف هو تقارير عن ضغوط إماراتية على السودان لتسريع التطبيع مقابل دعم إماراتي وتعاون ومساعدات زراعية إسرائيلية، بعد أن كانت مصر هي التي أدارت المحور المصري السوداني في جزء من مواجهتها لسد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا. وتخشى مصر من أن تمنح السودان الإمارات دوراً كوسيط مع مصر يضر بالمصالح المصرية.
وينتقل برئيل إلى إثارة المخاوف المصرية من مسار التطبيع الإماراتي المتعلق بسعي الإمارات إلى الاستعانة بميناء إيلات الواقع على ساحل خليج العقبة في البحر الأحمر، كنقطة لتفريغ صادراتها النفطية فيه، ومن هناك عبر أنبوب النفط التاريخي منذ أيام الشاه الإيراني، إلى ميناءي عسقلان وأشدود، بما يخفض بنحو 12-18 بالمائة من البضائع والمنتوجات الإماراتية التي تمر عبر قناة السويس، وهو ما يمثل ضربة كبيرة للاقتصاد المصري.
وترتكز هذ المخاوف، بحسب محرر "هآرتس"، على مذكرة التعاون التي تم توقيعها بين الشركة المسؤولة عن ميناء إيلات وشركة "دي بي" الإماراتية، أخيراً، لا سيما أن الشركة الإماراتية ستشارك في مناقصة شراء شركة أحواض السفن الإسرائيلية التي سيتم قريباً بيعها للقطاع الخاص.
وبحسب برئيل، فإن هذه التقارير تزيد من المخاوف والقلق المصري على حركة النقل البحري عبر قناة السويس، خاصة بعدما استثمرت الدولة مليارات الدولارات في إنشاء "تفريعة" جديدة للقناة، تم جمع قسم كبير منها عبر بيع سندات دين للمواطنين المصريين أنفسهم.
ويرى أن هذا التطور يهدد كل الوعود والتعهدات التي قطعها السيسي نفسه في حينه بشأن الفوائد التي ستعود على مصر أيضاً من خلال بناء مراكز تجارية كبيرة، ومشاريع صناعية على شواطئ القناة، متسائلاً "فماذا سيكون مصير كل هذه التطلعات والآمال إذا قررت الإمارات تحويل صادراتها عبر ميناء إيلات؟".
وفي الضفة المقابلة، يرى برئيل أن الأردن قلقة من أن يؤدي اتفاق الإمارات والبحرين مع إسرائيل، وانضمام السعودية لاحقاً، إلى تراجع الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس (المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ومجمل المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المحتلة)، لتصبح العربية السعودية "صاحبة الشأن في كل المقدسات الإسلامية".
ويعرج برئيل على مقال نشر في موقع "الخليج الجديد"، أشار إلى احتمالات ومؤشرات صدرت أيضاً من النظام السوري يأمل من خلالها أن يكون "التحاقه (النظام السوري) بركب التطبيع مع إسرائيل طريقاً للعفو عن جرائمه الفظيعة التي نفذها ضد الإنسانية، وأن يحظى النظام مقابل تطبيع علاقاته مع إسرائيل بتطبيع نظامه مع العالم".
ويعقب برئيل على ذلك بقوله إنه من "الصعب رصد إشارات للتطبيع مع إسرائيل من قبل نظام الأسد"، لافتاً إلى تصريحات مستشارة الأسد، بثينة شعبان، رداً على الاتفاقيتين، معتبراً إياها رداً خفيفاً مقارنة بالشجب والاستنكار من الفلسطينيين و"حزب الله" اللبناني وإيران ودول أخرى.
وأضاف أنه "كان متوقعاً من بشار الأسد نفسه أن يصدر شجباً شديداً لكنه التزم الصمت. ويعود ذلك لأن الإمارات أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018، وشقت الطريق مجدداً أمام استئناف العلاقات الدبلوماسية بين سورية ودول عربية وإعادة دمشق للجامعة العربية".
وبالإضافة إلى ما ذكر، يتوقف برئيل عند البنود الخاصة بالقضية الفلسطينية في اتفاقي التطبيع مع الإمارات والبحرين، ولا سيما عند الجملة التي تحدد أن الطرفين سيسعيان لحل متفق عليه يستجيب "للاحتياجات والتطلعات الشرعية للشعبين"، حل يكون "عادلاً، شاملاً واقعياً ودائماً"، ويلفت إلى أنه ليس واضحاً ما إذا كانت الاتفاقيتان تشرحان بالتفصيل وتضعان تفسيراً متفقاً عليه لهذه المصطلحات، وما معنى التعبير "واقعي"، فهل الإمارات العربية والبحرين تقبلان بالوضع القائم ميدانياً والذي يشمل المستوطنات، كجزء من الواقع؟ وفي تعبير "واقعي" يتساءل أيضاً "هل تعتزمان تشكيل منتدى جديد يشمل الفلسطينيين وإسرائيل في إطار تطبيق خطة الرئيس دونالد ترامب؟ هل تحل الإمارات مكان قطر وتركيا في دوريهما كحاميتين وممولتين لحماس، لإتمام عملية ضد إيران؟".
ويخلص برئيل إلى القول إن "الفرح الإسرائيلي (بهزيمة) الفلسطينيين قد يكون مبكراً جدا، دول الخليج تمنح إسرائيل ما أعطته الأخيرة للفلسطينيين، سلاما اقتصاديا، لكن من المحتمل أن تكون هذه هي البداية فقط لعملية تضطر فيها إسرائيل لدفع ثمن سياسي".