أثارت نهاية المسلسل العربي المشترك "نص يوم"، من إخراج، سامر برقاوي، سلسلة من ردود الفعل والتساؤلات حول تنفيذ حكم الإعدام بـ "ميسا"، التي تقوم بدورها الممثّلة، نادين نسيب نجيم، على الأراضي التونسيَّة، بعدما قامت بقتل مواطن سوري هو "جابر" والذي يقوم بدوره الممثل، أويس مخللاتي. وتُجرى محاكمتها دون معرفة تفاصيل هذه المحاكمة، ولو بطريقة عابرة في الحلقة الأخيرة، لترسم نهاية "ميسا" في ساحة الإعدام، في مشهدٍ بدا مُنفرّاً جدّاً، حيث يتمُّ، أيضاً، دفنها في تونس. لكن، ماذا يقول القانون التونسي أو اللبناني بشأن عقوبة الإعدام، التي أراد منها الكاتب والمخرج، سامر البرقاوي، نهاية غير سعيدة يقدمها للمشاهد؟ نهاية، بدت خياليّة لا تمتُّ للواقع العربي اليومي بصلة. ربما لا يقتصر الأمر على اللغط القانوني هنا، فالمسلسل المستنسخ في مجمل أحداثه، بدا أقرب إلى الخيال. ولم يسعف اعتراف الكاتب والمخرج على حد سواء، بأن "نص يوم" مستنسخ من أفلام أجنبية، من النقد اللاذع الذي أظهر أن ثلاثين حلقة مجرد استنساخ مركب، لمشاهد منقولة، لم تراع الخط الدرامي والربط بين أحداث القصة.
هل لا زالت عقوبة الاعدام تُنفذ في تونس؟
كل المعلومات تُؤكّد أنّ حكم الإعدام في تونس لا يُطبَّق منذ أكثر من عشرين عاماً، وهو شبه معلق على الرغم من النصوص القانونية التي يعاقب فيها القانون التونسي على 21 جريمة بالإعدام، تتعلق بأمن الدولة الداخلي والخارجي، والاعتداء على موظف عمومي، والاغتصاب المصاحب باستعمال العنف، والاعتداء بالعنف المرفق باستعمال السلاح أو التهديد به على قاض أثناء الجلسة، والخيانة المرتكبة من طرف العسكريين، والاستيلاء على سفينة بالعنف من كل ربان، أو ضابط أوتسليم السفينة إلى العدو من طرف أي عضو طاقم سفينة، وتخريب السكك الحديدية أو إحداث خلل بها، إذا ما تسبب ذلك بوفاة شخص. كما تنفَّذ أحكام الإعدام إمّا شنقا بالحبل (الفصل 7 مجلة جزائية) أو رميا بالرصاص (الفصل 45 مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية).
ومن بين هذه الجرائم جريمة، واحدة تتطابق مع الشريعة الإسلامية، وهي جريمة القتل العمد.
هذا في الشكل، أما في المضمون أو التنفيذ، فإن آخر مرة تمّ فيها تنفيذ حكم الإعدام في تونس كانت سنة 1994 في حق "سفاح نابل" ناصر الدامرجي. ويُرجح أن تكون الأسباب سياسية أكثر منها قانونية، ومنذ ذلك التاريخ، وإلى اليوم، بلغ عدد أحكام الإعدام الصادرة حوالي 100 حكم أو أكثر بقليل، لكن لم يتم تنفيذها، وشملت جرائم مختلفة مثل القتل مع سابق الإصرار والترصد، والاغتصاب وهتك العرض والسرقة باستعمال العنف التي تنتهي بجريمة قتل. هذا، وقد طالبت العديد من الدول تونس بإلغاء العمل بهذه العقوبة، وحذفها من المجلة الجزائية التونسية. كما طالبت منظمات حقوقية بإلغاء العمل بهذه العقوبة والتنصيص على ذلك بالدستور على غرار "الائتلاف الوطني التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام" والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب وغيرهما. منذ الاستقلال شرعت المحاكم في إصدار أحكام الإعدام، ويقتضي تنفيذ حكم الإعدام إحالة ملف المحكوم على أنظار رئيس الجمهورية المخوّل بإعطاء الأمر بالتنفيذ أو العفو، أي استبدال عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد.
القانون التونسي
تُؤكّد المحامية التونسيّة، آمنة عبودة، لـ "العربي الجديد"، أنَّها تابعت مسلسل "نص يوم" هذا العام، وتضيف: "ساءتني النهاية التي اختارها صنّاع العمل".
من الناحية القانونية، تتابع عبودة: لم يلغ الدستور الجديد الذي أُقر في 6 كانون الثاني/ يناير 2014 عقوبة الإعدام، بل أبقى عليها، وذلك بعد نقاشات حادة جرت بين أعضاء المجلس وفقهاء في القانون. لكن من الناحية الواقعية لا يتم تطبيق هذه العقوبة اليوم في تونس، ولا حتى بعد الثورة التونسية في العام 2011، والتي عرفت بثورة البوعزيزي. وعلى الرغم من مناداة الشعب بتنفيذ بعض الأحكام الصادرة، وتطبيق هذه العقوبة، خصوصاً ما يتعلق منها بجرائم الإرهاب والقتل أو الاغتصاب العنفي، الذي قد يؤدي إلى الموت، لكن، لم يُطبق منها أي حكم حتى الساعة".
وتشير المحامية عبودة إلى أن الفصل 22 من الدستور، يطرح هذه المسألة في الإبقاء على هذه العقوبة تحديداً أمام نقاش قانوني مفتوح. وتسأل عبودة: "كان بإمكان المخرج أو الكاتب الاستعانة برجل قانون تونسي للاستشارة في مثل هذه القضية، أو معرفة الرأي القانوني فيها، خصوصاً أن الجريمة جرت داخل الأراضي التونسية، ومن الجائز جداً محاكمة اللبنانية نادين نسيب نجيم، بطلة العمل، وفق أصول المحاكمات التونسية. وكذلك الاتفاق على تسليمها إلى لبنان عبر وزارة الخارجية، وفقاً للقوانين مرعية الإجراء بين البلدين".
القانون اللبناني
ويتحدث مصدر قانوني لبناني لـ "العربي الجديد"، حول نهاية مسلسل "نص يوم"، قائلاً: "وفقاً لقانون العقوبات اللبناني، واستناداً إلى صلاحيّة شخصية كون الممثلة، نادين نسيب نجيم، أو "ميسا"، تحمل الجنسية اللبنانية في المسلسل، وهذا واضح من خلال جواز سفرها المزور والأصلي، الذي ظهر في أكثر من حلقة، فإنّه يحقّ للسلطات اللبنانيّة عبر وزارة العدل اللبنانية، أن تقوم بكافة الإجراءات الرسمية المطلوبة، لاسترداد مواطنتها المتواجدة على الأراضي التونسية، أو التي قامت بجريمة هناك. وتتمّ محاكمتها وفقاً للقانون اللبناني، على أن يبقي، وفق المصدر، القانون اللبناني الحق للسلطات التونسية في الخيار على ضوء اتفاقية متبادلة تتعلق بهذا الشأن بين الدولتين، وإن كان بالإمكان استرداد المواطنة اللبنانية أم لا، وبالتالي تخضع العملية إلى اجتهادات قانونية ربما يجب أن تُراعى بحسب المعطيات الحاصلة والوقائع الخاصة بهذه الجريمة تحديداً".