"نصف حقيقة": الحضور الرمزي للغراب

19 فبراير 2018
(من المعرض)
+ الخط -
في معرضه الجديد "نصف حقيقة" الذي افتتح في "غاليري المشرق" في عمّان في الثالث عشر من الشهر الجاري ويستمر حتى من الثامن من آذار/ مارس المقبل، يذهب التشكيلي الأردني علي عمرو (1976) إلى حوار لوني مع الغراب، في محاولة لمقاربة حضوره الرمزي المكثف في التاريخ البشري.

تباين الموقف حد التناقض تجاه هذا الكائن في الثقافات الإنسانية، بوصفه معادلاً للشؤم والقوى الخفية والموت، كما مثّل أيضاً الوصول إلى المجهول، وتلك الأمكنة المسكونة بالأرواح الشريرة لدى الحضارات على ضفتي المتوسط، مقابل اعتبارها رمزاً لولادة عهد جديد، وللعتمة والنور كما في الأساطير الصينية، حتى أنه يجسّد فيها أبعد من ذلك حيث المعنويات العالية والخلود بعد الموت.

تلك الثنائية بإحالاتها الفلسفية تشكّل أساس بناء لوحة عمرو، حيث يظهر تكوينها شخصيات نسائية في حالة حركة دائمة تعبيراً عن قلقها وتأملها وترقبها فتتراءى مع ظلها، أو من وراء ستارة، أو تستند إلى جدار، أو تطلّ من شرفتها حيث تتداخل وجوهها أو أجسادها مع الفضاء المحيط بها، وفي جوارها الغراب الذي يحضر في هيئات مختلفة؛ يدير ظهره أو يطير إلى الجهة المعاكسة أو يثبت منقاره فوق الجسد.

تتفاوت الإحالات التي تعكسها علاقة المرأة بالغراب في اللوحة، حيث الرغبة باكتشاف المجهول والبعيد والمخفي عنا، وفي منطقة أخرى يتبديان بارتباطهما بالخطيئة التي تشير إلى أصل الحياة وانتهائها، وهي لعبة تتخذ من الغراب ذريعة لطرح التساؤلات ذاتها عن الوجود والعدم والحياة والفناء التي لا قول مطلق أو يقين حولها إنما "نصف حقيقة".

يستخدم الفنان الألوان الزيتية والمائية في تنفيذ أعماله، حيث يبني كتلة كبيرة أساسية على سطحها يطغى عليها اللونين الأزرق أو الاصفر مع التقائهما بتدرّجات البرتقالي والأخضر والأحمر والبنفسجي ضمن مساحات تمتزج فيها الانطباعية التعبيرية بأسلوب تجريدي يختزل العناصر المكوّنة للعمل.

تنطلق التجربة من خلفية أكاديمية عبر اهتمامه بتشريح الجسد الإنساني، وإبراز مفارقاته من خلال الظل والنور وتسليط الضوء على تفاصيل دقيقة فيه، في محاولات لاستحضار الانفعالات الداخلية والتغيّرات النفسية والعاطفية التي تعبّر عن الوجوه المرسومة.

المساهمون