"نداءات" تونس... سيناريوهات تغيير المشهد السياسي

10 نوفمبر 2015
السبسي أكد أنه يرفض الخضوع للابتزاز (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -
فشلت كل المحاولات لرأب الصدع بين الأطراف المتصارعة داخل حزب "نداء تونس" صاحب الأغلبية النيابية، وانتهى الأمر، أمس الأول الأحد، بـ"مجموعة الثلاثين" إلى تنفيذ تهديدها الذي أطلقته منذ أيام بالاستقالة من الحزب والانفصال عن الكتلة النيابية. وكان النائب وليد جلاد أكد، لـ"العربي الجديد"، أنه إذا لم يُعقد اجتماع المكتب التنفيذي للحزب قبل يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني (أي اليوم) فإن المجموعة المكوّنة من 32 نائباً ستُنفذ تهديدها وستنفصل عن الكتلة النيابية وتستقيل من الحزب، وهو ما حدث أمس الأول ليلاً بعد أن اجتمع النواب مع رئيس الحزب محمد الناصر ولم يقتنعوا بمبادرته لجمع الشقين المتصارعين في الحزب.

وتم أمس الإثنين إيداع وثيقة الانفصال عن الكتلة في مكتب مجلس النواب، كما أكد حسان الفطحلي، المتحدث باسم رئيس المجلس محمد الناصر. وأوضح الفطحلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المكتب ينتظر خمسة أيام ليصبح الانفصال رسمياً، بعد أن يتم إعلام رئيس الكتلة الحالي ورئيس المجلس بهذا القرار، مضيفاً أن الكتلة الجديدة ينبغي أن تتخذ لها اسماً جديداً، باعتبار أنه لا يمكن لحزب واحد أن يكون موجوداً في المجلس بكتلتين.

ويُشكّل هذا القرار لـ"مجموعة الثلاثين" قنبلة سياسية، ستؤدي إلى إمكانية تغيير في المشهد السياسي، إذا لم تتراجع هذه المجموعة عن قرارها، وهو تراجع ممكن قانونياً في أي وقت، بحسب الفطحلي، الذي أكد أن انسحاب المجموعة لن يغيّر في المشهد الحكومي الذي يحظى دائماً بالأغلبية النيابية (50 نائباً من نداء تونس، و69 من النهضة، بالإضافة إلى نواب آفاق والاتحاد الوطني الحر)، وإعلان الكتلة المنسحبة أنها ستواصل تأييد الحكومة.

غير أن هذا التحوّل يعني بالضرورة أن كل خيوط اللعبة السياسية ستتحوّل إلى حركة "النهضة" التي صارت الحزب صاحب أكثرية المقاعد، وهذا يتيح لها في الوقت الراهن أفضلية اختيار بعض اللجان داخل المجلس، ولكنه يجعل الحكومة رهن قرارها، التي سيكون استمرارها رهن دعم "النهضة" للائتلاف، أما إذا اعلنت الحركة انسحابها من الائتلاف الحاكم فستغيّر المشهد برمته وتُسقط الحكومة، وسيتعين إثر ذلك إما البحث عن أغلبية جديدة (109 أصوات) أو تشكيل حكومة جديدة تقودها "النهضة"، أو إجراء انتخابات برلمانية جديدة.

لكن انسحاب "النهضة" يبقى مستبعداً في الوقت الحالي، بعد إعلانها بشكل واضح أنها لا ترغب في التسبّب بأي ارتباك في المشهد، وإصرارها على دعمها للحكومة الحالية وللرئيس الباجي قائد السبسي. ويشير القانون إلى أن الحكومة الحالية لا يمكن أن تسقط إلا باستقالتها أو بتوجيه "لائحة لوم" ضدها (حجب الثقة عنها)، ولكن لا يمكن أن تسقط بسبب تصدّع كتلة "نداء تونس" مثلما يظن كثيرون.

وفي غمرة هذه الأزمة الكبيرة، يتابع كثيرون باندهاش كبير صمت رئيس الحكومة الحبيب الصيد، واكتفاءه بالإشارة إلى أن هذه الأزمة داخل "النداء" لن تؤثر على عمل الحكومة، وهو ما يؤكد أن الصيد يستمد شرعية حكومته السياسية من دعم خارج الأحزاب متمثلاً في السبسي وزعيم "النهضة" راشد الغنوشي. غير أن الوضع الحالي وإن كان سيتواصل على ما هو عليه، يقود إلى انتقال قرار الاستقرار السياسي من يد السبسي إلى يد الغنوشي، مع ما يعنيه هذا الأمر من تحوّل سياسي جذري في المشهد السياسي التونسي.

اقرأ أيضاً: انفجار كتلة "نداء تونس" هل يفقد الحزب أغلبيته؟

وبالعودة إلى قرار "مجموعة الثلاثين"، الانسحاب من كتلتهم، فإن عدداً من نواب "نداء تونس" الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، يؤكدون أنه لا يعدو كونه قراراً سياسياً بهدف الضغط على حزبهم وتنفيذ شروطهم بعقد اجتماع المكتب التنفيذي الذي يُشكل الهيئة الشرعية الوحيدة في نظرهم، المخوّٓلة بالنظر في تفاصيل المؤتمر المقبل، وهو ما يرفضه الشق المقابل (مجموعة نجل الرئيس، حافظ قائد السبسي) التي تبقى أغلبية داخل الحزب والبرلمان، ولا أحد بإمكانه تصوّر رضوخها للضغط وتراجعها عن موقفها، إلا بقرار قد يأتي من القصر، كذلك الذي صدر أيام الانتخابات التشريعية عندما طلب السبسي من نجله الانسحاب من قائمة تونس، وترك المجال لغيره.

وإذا لم يُتخذ هذا القرار، ولم تعد الكتلة المنشقة إلى كنف "نداء تونس"، فإن كل السيناريوهات تبقى مطروحة. وسيكون على الهيئة التأسيسية (التي يتمسّك بها الموالون لنجل السبسي) التي تجتمع غداً الأربعاء، أن تبحث عن صيغة للتوافق أو التنازل لصالح خصومها، وهو أمر مرفوض من المجموعة، بحسب ما أكد بعضهم لـ"العربي الجديد"، بل هو مرفوض أيضاً من الباجي قائد السبسي الذي أسرّ لبعض محدّثيه "أنه يرفض الخضوع للابتزاز".

ويُلاحظ أن "مجموعة الثلاثين" غير متجانسة سياسياً وفكرياً (يساريون ونقابيون ومستقلون ودستوريون) وأن أغلب وزراء الحكومة ينتمون لما يسمى بشق السبسي، وهو ما يعني للعارفين بالتفاصيل، أن دعمهم المعلن اليوم للحكومة لن يستمر طويلاً، وأن هذه الحكومة سيتم إرهاقها، خصوصاً خلال الفترة القريبة المقبلة لدى مناقشة ميزانية الدولة للسنة المقبلة 2016، أي بعد أسابيع.

ولا يستبعد متابعون أن تنفجر هذه الكتلة بدورها بسبب عدم انسجامها، وربما يستعيد مجلس النواب ما شهده المجلس التأسيسي السابق من مظاهر "السياحة السياسية"، أي تحوّل نواب من كتلة إلى أخرى ومن حزب إلى آخر، على الرغم من إعلانها أنها ربما تتزايد عددياً من نواب مستقلين ومن "نداء تونس" وفق تصريح أحد أعضائها حسونة الناصفي لـ"العربي الجديد"، وأنها متماسكة جداً في الوقت الراهن.

وما لوحظ في الآونة الأخيرة هو صمت الأمين العام لـ"النداء" محسن مرزوق، المتصارع مع حافظ قائد السبسي، الذي يرى في جناحه تضخماً سياسياً كبيراً حوّله من أقلية واضحة إلى مجموعة هامة بإمكانها بعثرة الأوراق داخل قبة البرلمان وخارج أسواره أيضاً، ومكّنه من أوراق سياسية جديدة أسقطت كل التصريحات المقلّلة من تأثيره على الحزب، ما يعني أن "نداء تونس" وإن لم ينفجر اليوم فإنه سينفجر قريباً، ما سيعيد إعادة ترتيب المشهد السياسي التونسي في مطلع العام المقبل.

اقرأ أيضاً: الزلزال الكبير لـ"نداء تونس": الخلفيات والألغاز

المساهمون