"نايريكا" النسائية فرقة تفتح أفق الموسيقى للمرأة الإيرانية

23 يونيو 2016
عضوات فرقة "نايريكا" الإيرانية في عرض فني (العربي الجديد)
+ الخط -
"نايريكا" فرقة موسيقية كل أعضائها من النساء، تأسست في 2008، ومنذ ذلك التاريخ تحاول أن تتخطى التقاليد والمواضعات الاجتماعية وتحفر لها اسماً في أوساط النخبة وعامة الجمهور

منذ قديم الزمان شغلت المرأة الإيرانية مكانا بارزاً في تاريخ موسيقى هذا البلد. كل من يشاهد رسومات المنمنات الإيرانية التي تعود لأوقات زمنية مختلفة وبعيدة، يرى المرأة تمسك بقيثارتها أو بقانونها فتعزف وتغني في زمن كان الفن فيه جزءا من حياة بلاد فارس، ومع تغير الأوضاع والظروف بمرور الزمان، انحصر دور المرأة الموسيقي وتقيّدت بعدد من المحددات، التي تحولت إلى فرصة لخلق تجربة إبداع نسائية جديدة بالنسبة إلى البعض.

نجحت فرقة "نايريكا" الإيرانية في أن تكون الفرقة الإيقاعية الموسيقية الأولى التي تضم عازفات ومغنيات وحسب، وقد لا يكون هذا إنجازاً مختلفا في إيران، فهناك عدد من الفرق الموسيقية التي تتكون من السيدات وحسب، لكن نايريكا هي الفرقة الأولى في التأسيس، والوحيدة التي استطاعت أن تحصل على كل التراخيص القانونية، لعرض موسيقاها على الجمهور بكافة شرائحه من النساء والرجال على حد سواء، حيث تقدم حفلات فرق السيدات عادة للنساء فقط.

تضم هذه الفرقة ما يزيد عن ثلاثين عازفة ومغنية من مختلف الأعمار، احترفن استخدام الآلات الموسيقية الإيرانية التقليدية، الوترية منها والإيقاعية، من قبيل الدف، تنبك، سنتور، تار وسه تار، واستطعن خلال السنوات الماضية أن يخلقن آثارا فنية خاصة بهن نالت رضا الجمهور واستحسان المعنيين.

هذا ما تقوله مؤسسة "نايريكا"، مهريس سعادت، التي تجاوزت عقدها الخامس من العمر، تذكر أن الفكرة تعود إلى عام 2004، حيث كانت وزميلات لها عضوات في فرقة موسيقية أخرى تضم عازفين من الرجال، وبدأ الأمر كمقترح بسيط، "فما المانع من أن تشكل الإيرانيات فرقة إيقاعية خاصة بهن؟"، كما تقول.

تضيف سعادت، في حديثها مع "العربي الجديد"، إن الفكرة أخذت وقتا للتنفيذ، فبدأت بتطبيقها مع القائدة الحالية للفرقة، مينو رضايي، وقمن بتجميع زميلات لهن من كل مكان، ولم يكن الأمر بالسهل كما تقول، فالعمل الجماعي في مجال الموسيقى أصعب من الفردي، إلى أن استطعن إطلاق أول فرقة سيدات للموسيقى الإيرانية في البلاد.

في عام 2008، أبصرت "نايريكا" النور، بعد أن زاد عدد عضواتها تدريجياً، ولم يعدن فقط من الدائرة الضيقة لمعارف وزميلات كل من سعادت ورضايي، صاحبتي الفكرة، وبسبب السمعة الطيبة للفرقة وعضواتها، وقدرتهن على خلق التجدد في عالم الموسيقى الإيرانية، وبعد أن أصبحن يؤلفن ويعزفن ويغنين ألحانهن، استطاعت الفرقة أن تنال ما لم ينله غيرها، وباتت من أشهر الفرق في البلاد بعد نيل التراخيص الرسمية اللازمة.

حضرت "نايريكا" في مهرجانات موسيقية وفنية عديدة، وحصلت عازفاتها ومغنياتها على المرتبة الأولى في مهرجان "أواي مهر"، وأجرين حفلات عديدة في أغلب الراديوهات الإيرانية، وفي السفارة الفرنسية في طهران وهو ما زاد من شهرتهن، وقبلن بمهمة عزف الموسيقى التصويرية لعدد من المسلسلات الإيرانية.

تتحدث سعادت عن هذه التجربة وهي بغاية الفخر كما تقول، وتعتبر أن ما يختلف في نايريكا ليس كونها فرقة نسائية وحسب، وإنما القدرة على المزج بين الإيقاع والموسيقى التقليدية الإيرانية بطريقة مختلفة، وهو ما جعل موسيقاهن محببة للنخبة في عالم الفن وللعامة على حد سواء.

"لم يكن الطريق سهلا على الإطلاق وكانت العراقيل كثيرة"، هذا ما تذكره مؤسسة الفرقة ذاتها، التي تؤكد أن القناعة بأن الحلم يتحقق وبأن نيل الهدف قريب هو ما ساعدها وساعد زميلاتها على تحقيق ما أردن، وتضيف إن الفرقة لم تلق أي دعم مالي من أية مؤسسة أو جهة، وهذا عقّد وصعّب الأمور قليلا ولا سيما في البدايات، وبوجود بعض المحددات التي اعترضت عملهن كسيدات في عالم الموسيقى، وصعوبة نيلهن التراخيص اللازمة ولا سيما أن الأمر تطلب وقتا، لكنهن تقدمن بشكل سريع، وحولن المعوقات إلى فرصة للإبداع حسب رأيها.


تتحدث العازفة، وحيدة بورقناد، عن تجربتها أيضا، هي شابة في منتصف العمر، بدأت مع "نايريكا" منذ ولادتها عام 2008، وتقول إن أبرز الصعوبات كانت تتعلق بطريقة دمج الموسيقى، وبالعمل الجماعي، لكن ما سهل الأمر هو وجود هدف مشترك بين جميع الفنانات، ألا وهو تحقيق ما هو مختلف، والتطور موسيقياً، وإعادة المرأة إلى مكانتها الموسيقية الحقيقية، بعد سنوات طويلة من التراجع.

تؤكد بورقناد أنها مصرة على إكمال مسيرتها طالما نايريكا موجودة، فما قدمته هذه الفرقة لها قد لا تكون فرقة أخرى قادرة على تقديمه، أيا كانت شهرتها، فتعتبر أنها وزميلاتها استفدن من الظروف وخلقن أمرا جديدا ومبتكرا وعلى مستوى عال ورفيع.

إحدى الصعوبات الأخرى، التي تواجه المرأة الإيرانية في عالم الموسيقى، تتعلق بمنع النساء من الغناء المنفرد على الملأ، فإما أن تغني إلى جانب الرجل، أو أن تغني عدة نساء مع بعضهن البعض، وفي نايريكا تم تجاوز الموضوع بطريقة جديدة، حيث تغنين مع بعضهن لتعلو أصواتهن فوق أصوات الإيقاع أحيانا، أو تردد واحدة منهن ألحانا فلكلورية بلغة إحدى القوميات الإيرانية، فتقدمن بالتالي نوعا فريدا من الغناء الممزوج بين الحضارة والثقافة والموسيقى الكلاسيكية الإيرانية.

تقول مغنية الفوكال، مريم شفايي، إنها كانت مع مؤسستي "نايريكا" في فرقة واحدة قبل خمسة عشر عاما، كن يعزفن على الآلات الموسيقية الإيرانية، ووافقت على مقترحهن بتأسيس فرقة للسيدات، وتعتقد أن الاختلاف في فرقتهن اليوم يكمن في قدرة العازفات على دمج الموسيقى الكلاسيكية الإيرانية باستخدام الآلات الوترية بألحان إيقاعية، فضلا عن تقديمهن للفلكلور الإيراني، وهو ما يعني قيامهن بمهمة حفظ التراث الموسيقي الإيراني أيضاً.

وعند سؤالها عن وضع المرأة اليوم في الموسيقى الإيرانية، تقول إن الإمكانات والمواهب عديدة وكثيرة، والمتميزات كثيرات، لكن الرقابة أحيانا قد تجعل كثيرات يبتعدن عن الإبداع، قائلة إنه يجب فتح المجال أكثر، وبذات الوقت على الفنانات الإيرانيات أن يحولن ما يرينه عائقا إلى فرصة لتحقيق الهدف.

وعن الغناء المنفرد، تقول إن هذا قانون في البلد، وللحفاظ على "نايريكا" وللمساهمة في تقدمها يجب مراعاة بعض القوانين مع تطوير الموهبة حسب قولها.

تعرضت الموسيقى، ككل، في إيران لتقلبات السياسة على مدى العصور الماضية، تراجعت كثيرا مع دخول الإسلام للبلاد (633 ميلادي)، وتراجع دور المرأة معها، وعاد وصعد في وقت لاحق، ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران 1979، تراجعت الفنون بشكل عام بسبب التخبط الذي دخلت فيه البلاد، إلى أن تحقق الاستقرار السياسي نسبياً بعد سنوات، وأصبحت المرأة اليوم جزءا من الفنون الإيرانية لا يمكن الاستغناء عنه، وفي الموسيقى بالذات توجد أسماء معروفة من قبيل فوزية مجد، فريماه صدري، ليلى أفشار، وغيرهن، ممن قدمن موسيقى مختلفة للمستمعين، كما استطاعت كل من نازنين أقاخاني ونزهت أميري اقتحام عالم كان مقتصرا على الرجال، ويقل فيه عدد السيدات في العالم برمته، فاستطعن أن يعملن كقائدتين لفرق أوركسترا موسيقية معروفة، فدربت أقاخاني فرقة أوركسترا طهران الوطنية للفنون الكلاسيكية، وتسلمت أميري فرقة مضرابي، وجاءت تجربة نايريكا من بعدهما، لتمسك الفنانات الإيرانيات بكل ما يخصها من الألف إلى الياء وليقدمن ما هو مختلف للجمهور في البلاد.
المساهمون