السوريات الناجيات من الموت في سجون النظام السوري لا تنتهي معاناتهن مع نيلهن الحرية. هؤلاء يجدن أنفسهن في واقع جديد فرض عليهن وكبلهن بقيود جديدة. واليوم، يتمنين الخلاص منها على غرار خلاصهن من المعتقل. في هذا الإطار، كانت حملة "ناجيات أم ليس بعد"، التي تسلّط الضوء على واقع الناجيات السوريات من المعتقلات بعد الإفراج عنهن، وكيفية تعاطي المجتمع معهن.
مديرة الحملة رند صباغ توضح لـ "العربي الجديد" كيفية بدء الحملة وأسبابها. تقول: "نحن جزء من منظمة A.S.M.L. SYRIA التي تدعم الإعلام وحرية التعبير. وأحد المشاريع الحالية هو تمكين المرأة من خلال وسائل الإعلام، وتدريب صحافيات داخل سورية منذ نهاية عام 2014، أو نساء ليكن صحافيات. وحالياً، لدينا نساء من إدلب والباب في ريف حلب وعامودا في الحسكة والرقة. ولدينا موقع إلكتروني يحمل اسم عيني عينك لنشر إنتاجهن. خلال العام الماضي، بدأت تصلنا شهادات من نساء كنّ معتقلات وتتضمن كيفية تعاطي المجتمع معهن. وعندما كثرت الشهادات، أطلقنا حملة "ناجيات أم ليس بعد".
تتابع: "استطعنا هذا العام العمل مع مؤسسات إعلامية سورية أخرى، ليكونوا شركاء في نشر الوعي من خلال إنتاج مواد إعلامية حول هذه القضية وجمع شهادات. ثم أطلقنا الحملة في 15 أبريل/ نيسان الماضي، وهي حملة تستمر لمدة ستة أسابيع وتنتهي في آخر الشهر الجاري، بهدف جمع شهادات قدر المستطاع، ونشر الوعي في المجتمع المحلي السوري حول ما تتعرض له المعتقلات السابقات أو المختطفات قسرياً السابقات لدى عودتهن إلى مجتمعهن، خصوصاً الرفض".
اقــرأ أيضاً
وتقول صباغ: "بعض القصص التي استطعنا تغطيتها من خلال الحملة تتعلق بالطلاق القسري، والانفصال عن الأطفال، والاضطرار إلى النزوح الفردي، والعنف المنزلي، والمقاطعة الاجتماعية، والعوز المادي الشديد، وفقدان العمل، والاضطهاد من السلطات الحاكمة في المناطق التي يعشن فيها. وهذا يختلف بحسب الجهة الخاطفة أو المعتقلة". تضيف: "عندما يكون النظام هو الطرف الذي اعتقل المرأة، يكون الظن أنها تعرضت للاغتصاب داخل سجونه ما يجعل المجتمع يعاملها وكأنها تسببت بالعار. وعندما تكون مختطفة من قبل داعش، يحاكمونها بقساوة أكبر، إذ يعتقدون أن داعش لا يعتقل أحداً بسبب آرائه السياسية، بل لأسباب أخلاقية".
وتختتم صباغ: "في نهاية الحملة، نطمح أن نخرج بتوصيات نوجهها إلى المجتمع المدني أو المحلي، أو التوجه إلى الهيئات الحقوقية أو الداعمين، لضرورة التدخل وإيجاد حلول وأماكن آمنة للنساء، وإعادة دمجهن في المجتمع".
في هذا السياق، تقول عائشة (36 عاماً) لـ "العربي الجديد": "التأمت الجروح في جسدي الناتجة عن السلاسل و ضربات السياط. لكنّ جروح القلب لم تلتئم بعد، حتى بعد عامين من الإفراج عني، إذ عشت بعيدة عن عائلتي لنحو تسعة أشهر". تقول: "خلال فترة اعتقالي، كان والدي وأشقائي يحاولون جاهدين الإفراج عني، ومعرفة المعتقل الذي أنا فيه. وبعد الإفراج عني بصفقة تبادل، اضطررت للإقامة في منطقة الباب في ريف حلب الشمالي لبعض الوقت، ولم أكن قادرة على الوصول إلى أهلي في ريف حمص الشمالي. وبعدما اجتمعنا في ريف إدلب، لم يتحسن الأمر إذ لم أتوقع أن أرفض من قبل المجتمع. أدركت أن زوجي يحاول عزلي عن المحيط الخارجي من دون أن أعرف دوافعه". تتابع: "اليوم، أفضّل البقاء قرب أطفالي وزوجي، وأحاول جاهدة أن أكون أماً وزوجة. لا أحب الحديث أبداً عن الفترة السوداء في المعتقل حتى في حال سئلت عن الأمر. الناس ينظرون إلي وكأنني غريبة أو مذنبة. هل يصدقون أن النظام لم يعذبنا أو يقتل أخريات في المعتقل؟". تضيف: "نريد منهم الوقوف معنا ودعمنا لمعاودة الحياة من جديد".
أما أم خالد (47 عاماً) التي اعتقلت في سبتمبر/ أيلول من عام 2015 عند حاجز في معضمية الشام في ريف دمشق، فقد قضت سبعة أشهر في المعتقل. وكانت هذه المدة كافية لقلب حياتها رأساً على عقب، إذ باتت تعاني من أمراض عدة كان أقساها فقدان قدرتها على الحركة. تقول لـ "العربي الجديد": "اعتقلوني بتهمة مساعدة الجيش الحر. وتنقلت في فروع أمنية عدة في دمشق وصولاً إلى فرع فلسطين. وأفرج عني بعد دفع مبلغ مالي كبير لأحد ضباط النظام".
اقــرأ أيضاً
تقول أم خالد: "استدرجني أحد المجندين على الحاجز لمعرفة معلومات عن ابني وزوجي ومكان اختفائهما من خلال سؤال. بعدها، اقتادوني إلى غرفة وانهالوا علي ضرباً، ثم نقلوني إلى فرع الأمن العسكري. وطوال ثلاثة أيام، لم يسألني أحد عن أي شيء. بعدها طلبوني للتحقيق وهنا بدأت رحلة العذاب. سألوني عن ابني وزوجي فأجبت بأنني لا أعلم مكانهما. بدأ الضابط يركلني ويضربي بكل قسوة، ثم سكب مياه مغلية على قدمي. استمر التحقيق أربع ساعات. وبقيت على هذا الحال عشرة أيام. في كل يوم تحقيق مع المحقق نفسه، والأسئلة ذاتها، والاتهامات والإهانات والضرب نفسه إلى أن بدأت أتعب. أصبت أولاً بتورم في قدمي، ثم بدأت أعاني من نوبات غيبوبة طويلة. كنا نسمع صوت ضرب رؤوس الشبان بجدران مهجعنا، وأحياناً نرى جثثاً في الممرات حين يسمح لنا بالذهاب إلى الحمام مرتين فقط في اليوم".
أم خالد أصيبت بالعديد من الأمراض داخل السجن، وفقدت قدرتها على المشي. بعد خروجها، أصيبت بالفشل الكلوي، وفقدت الإحساس بأطرافها. وأحياناً، تعاني من نوبات صرع. تعيش أم خالد في إدلب حالياً مع ابنها وزوجته وثلاثة من أحفادها، وتتردد بشكل دوري على مركز لغسيل الكلى، إضافة إلى مركز للعلاج الفيزيائي حتى تتمكن من المشي مجدداً.
مديرة الحملة رند صباغ توضح لـ "العربي الجديد" كيفية بدء الحملة وأسبابها. تقول: "نحن جزء من منظمة A.S.M.L. SYRIA التي تدعم الإعلام وحرية التعبير. وأحد المشاريع الحالية هو تمكين المرأة من خلال وسائل الإعلام، وتدريب صحافيات داخل سورية منذ نهاية عام 2014، أو نساء ليكن صحافيات. وحالياً، لدينا نساء من إدلب والباب في ريف حلب وعامودا في الحسكة والرقة. ولدينا موقع إلكتروني يحمل اسم عيني عينك لنشر إنتاجهن. خلال العام الماضي، بدأت تصلنا شهادات من نساء كنّ معتقلات وتتضمن كيفية تعاطي المجتمع معهن. وعندما كثرت الشهادات، أطلقنا حملة "ناجيات أم ليس بعد".
تتابع: "استطعنا هذا العام العمل مع مؤسسات إعلامية سورية أخرى، ليكونوا شركاء في نشر الوعي من خلال إنتاج مواد إعلامية حول هذه القضية وجمع شهادات. ثم أطلقنا الحملة في 15 أبريل/ نيسان الماضي، وهي حملة تستمر لمدة ستة أسابيع وتنتهي في آخر الشهر الجاري، بهدف جمع شهادات قدر المستطاع، ونشر الوعي في المجتمع المحلي السوري حول ما تتعرض له المعتقلات السابقات أو المختطفات قسرياً السابقات لدى عودتهن إلى مجتمعهن، خصوصاً الرفض".
وتقول صباغ: "بعض القصص التي استطعنا تغطيتها من خلال الحملة تتعلق بالطلاق القسري، والانفصال عن الأطفال، والاضطرار إلى النزوح الفردي، والعنف المنزلي، والمقاطعة الاجتماعية، والعوز المادي الشديد، وفقدان العمل، والاضطهاد من السلطات الحاكمة في المناطق التي يعشن فيها. وهذا يختلف بحسب الجهة الخاطفة أو المعتقلة". تضيف: "عندما يكون النظام هو الطرف الذي اعتقل المرأة، يكون الظن أنها تعرضت للاغتصاب داخل سجونه ما يجعل المجتمع يعاملها وكأنها تسببت بالعار. وعندما تكون مختطفة من قبل داعش، يحاكمونها بقساوة أكبر، إذ يعتقدون أن داعش لا يعتقل أحداً بسبب آرائه السياسية، بل لأسباب أخلاقية".
وتختتم صباغ: "في نهاية الحملة، نطمح أن نخرج بتوصيات نوجهها إلى المجتمع المدني أو المحلي، أو التوجه إلى الهيئات الحقوقية أو الداعمين، لضرورة التدخل وإيجاد حلول وأماكن آمنة للنساء، وإعادة دمجهن في المجتمع".
في هذا السياق، تقول عائشة (36 عاماً) لـ "العربي الجديد": "التأمت الجروح في جسدي الناتجة عن السلاسل و ضربات السياط. لكنّ جروح القلب لم تلتئم بعد، حتى بعد عامين من الإفراج عني، إذ عشت بعيدة عن عائلتي لنحو تسعة أشهر". تقول: "خلال فترة اعتقالي، كان والدي وأشقائي يحاولون جاهدين الإفراج عني، ومعرفة المعتقل الذي أنا فيه. وبعد الإفراج عني بصفقة تبادل، اضطررت للإقامة في منطقة الباب في ريف حلب الشمالي لبعض الوقت، ولم أكن قادرة على الوصول إلى أهلي في ريف حمص الشمالي. وبعدما اجتمعنا في ريف إدلب، لم يتحسن الأمر إذ لم أتوقع أن أرفض من قبل المجتمع. أدركت أن زوجي يحاول عزلي عن المحيط الخارجي من دون أن أعرف دوافعه". تتابع: "اليوم، أفضّل البقاء قرب أطفالي وزوجي، وأحاول جاهدة أن أكون أماً وزوجة. لا أحب الحديث أبداً عن الفترة السوداء في المعتقل حتى في حال سئلت عن الأمر. الناس ينظرون إلي وكأنني غريبة أو مذنبة. هل يصدقون أن النظام لم يعذبنا أو يقتل أخريات في المعتقل؟". تضيف: "نريد منهم الوقوف معنا ودعمنا لمعاودة الحياة من جديد".
أما أم خالد (47 عاماً) التي اعتقلت في سبتمبر/ أيلول من عام 2015 عند حاجز في معضمية الشام في ريف دمشق، فقد قضت سبعة أشهر في المعتقل. وكانت هذه المدة كافية لقلب حياتها رأساً على عقب، إذ باتت تعاني من أمراض عدة كان أقساها فقدان قدرتها على الحركة. تقول لـ "العربي الجديد": "اعتقلوني بتهمة مساعدة الجيش الحر. وتنقلت في فروع أمنية عدة في دمشق وصولاً إلى فرع فلسطين. وأفرج عني بعد دفع مبلغ مالي كبير لأحد ضباط النظام".
تقول أم خالد: "استدرجني أحد المجندين على الحاجز لمعرفة معلومات عن ابني وزوجي ومكان اختفائهما من خلال سؤال. بعدها، اقتادوني إلى غرفة وانهالوا علي ضرباً، ثم نقلوني إلى فرع الأمن العسكري. وطوال ثلاثة أيام، لم يسألني أحد عن أي شيء. بعدها طلبوني للتحقيق وهنا بدأت رحلة العذاب. سألوني عن ابني وزوجي فأجبت بأنني لا أعلم مكانهما. بدأ الضابط يركلني ويضربي بكل قسوة، ثم سكب مياه مغلية على قدمي. استمر التحقيق أربع ساعات. وبقيت على هذا الحال عشرة أيام. في كل يوم تحقيق مع المحقق نفسه، والأسئلة ذاتها، والاتهامات والإهانات والضرب نفسه إلى أن بدأت أتعب. أصبت أولاً بتورم في قدمي، ثم بدأت أعاني من نوبات غيبوبة طويلة. كنا نسمع صوت ضرب رؤوس الشبان بجدران مهجعنا، وأحياناً نرى جثثاً في الممرات حين يسمح لنا بالذهاب إلى الحمام مرتين فقط في اليوم".
أم خالد أصيبت بالعديد من الأمراض داخل السجن، وفقدت قدرتها على المشي. بعد خروجها، أصيبت بالفشل الكلوي، وفقدت الإحساس بأطرافها. وأحياناً، تعاني من نوبات صرع. تعيش أم خالد في إدلب حالياً مع ابنها وزوجته وثلاثة من أحفادها، وتتردد بشكل دوري على مركز لغسيل الكلى، إضافة إلى مركز للعلاج الفيزيائي حتى تتمكن من المشي مجدداً.