"مياه التاسعة والنصف": ساعة احتُلَّ الجولان

10 نوفمبر 2019
رندا مداح/ سورية
+ الخط -

يحضر مصطلح السيولة بشكلٍ بارز في الأدبيات الفكرية والفنية في العالم خلال السنوات الأخيرة، منذ استخدمه عالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان (1925 - 2017) كتعبير يشير إلى النزعة المادية أو الاستهلاكية التي باتت تميّز إنسان ما بعد الحداثة.

باستعارة مصطلح السيولة إلى المجال الجغرافي ولا سيما في بلد محتل كفلسطين، سنجد أنفسنا أمام تعبيرٍ يُشير إلى اللاثبات واللااستقرار في المكان/ الجغرافيا، وهي حالةٌ شهدت تصاعداً في السنوات العشر الماضية مع موجة الهجرة واللجوء من المنطقة العربية بفعل تدهور أوضاعها على أكثر من صعيد.

ولعلّ ذلك ما يعنيه تحديداً "غاليري فتّوش" في مدينة حيفا الفلسطينية، والذي اختار "جغرافيا سائلةً" ثيمةً لموسمه الفنّي الذي انطلق في الثاني من الشهر الجاري ويتواصل حتى الأوّل من شباط/ فبراير من العام المقبل.

تبحث الفعالية في معنى المكان في الفنّ المعاصر، انطلاقاً من علاقته المتحوّلة والسائلة بالفرد والجماعة. هنا، يُشير المنظّمون إلى أنَّ "المكان والحدود والخرائط التي وضعها البشر بعد نشوء فكرة الدولة، وإن بدت متصلّبة وثابتة، تُنشئ علاقاتٍ مركّبة مع أصحابها، خصوصاً في الجغرافيا المشرقية التي تتغذّى على اللجوء والنزوح والحروب والحظر".

يتناول الموسم تلك الثيمة من خلال أعمال فنيّة متعدّدة الوسائط لفنّانين فلسطينيّين وعرب، ومن خلال أمسيات تضيء على تجارب فنية وأفكار مختلفة تصبّ جميعُها في فكرة "الجغرافيا السائلة".

يتضمّن البرنامج محاضرةً لـ هيا زعاترة في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر المقبل بعنوان "المدينة الفسطينية المتجدّدة في حيفا"، ولقاءً مع مجموعة من الفنّانين الفلسطينيّين والعرب حول علاقتهم بالمكان يُقام في الثامن عشر من الشهر نفسه بعنوان "أوطان ومناف جُوّانية"، وتستمرّ الفعاليات بلقاء يحمل عنوان "سايت سبيسيفيك" مع نردين سروجي في الثامن من كانون الأول/ يناير المقبل، ومحاضرة بعنوان "الفن والمقاومة" يُلقيها عامر شوملي في التاسع والعشرين من الشهر نفسه.

أمّا الفعالية الرئيسية في الموسم؛ فهي معرضٌ جماعي يُنظّمه "غاليري فتّوش" بالتعاون مع "مركز فاتح المدرّس" تحت عنوان "مياه التاسعة والنصف"، انطلق في الثاني من الشهر الجاري ويستمرّ حتى الأوّل من شباط/ فبراير المقبل، وتُقام خلاله جلسةٌ حوارية مع المشاركين فيه بعد غدٍ الأربعاء.

المعرض الذي يحاول التوقّف عند الأثر الذي تخلّفه عوامل التاريخ الجغرافي والسياسي على لغة التعبير البصرية، يُشارك فيه ثلاثة عشر فنّاناً وفنّانةً من الجولان السوري المحتل؛ هم: أكرم الحلبي، وحسن خاطر، وحمادة مداح، وخالد بركة، ورندا مداح، وشذى صفدي، وعلاء أبو شاهين، وفهد الحلبي، وماجدة الحلبي، وميس الصفدي، ونعايم مداح، ونُهاد الحلبي (اللوحة)، ووائل طربيه.

يطرح بيان المعرض السؤالَين التاليَين: "أيَّ شكل كان سيتّخذ هذا المعرض لو أنّ التاسعة والنصف من 10 حزيران كانت مجرّد ساعة ليس إلّا؟ ماذا لو استعار التاريخ لغةً أشجع ذاك الصباح وبقي شريان المياه يجري دون خطّ فاصل؟". أمّا المقصود بـ "التاسعة والنصف"، فهي الساعة التي أعلن فيها الجيش السوري سقوط مدينة القنيطرة، وفُرض خطّ وقف إطلاق النار فوق مجرى مياه نبع "عين التفاحة".

وبحسب البيان، تلتقي فنّانات وفنّانون من الجولان السوري المحتلّ ونازحون منه لأوّل مرّة منذ تلك الساعة في غرفة واحدة تتكشّف فيها أراضي صراعاتهم الشخصية والسياسية والفنية، مضيفاً أنّ الصراعات في الأعمال المعروضة "تتّخذ أشكالاً أكثر حنكة من أن تكون صارخة، فهي في وجودها البنيوي تصير أشبه بثنائيات مضمرة في اللغة البصرية... إنها عوالم الفنانين التي لن يكون لها وجود إن لم تتناحر".

دلالات