بدأ حضور الرقص المعاصر في عدد من المدن العربية خلال العقدين الأخيرين، غير أنه لم يلق انتشاراً واسعاً. يُفسَّر ذلك بكونه يشكّل تطوّراً عن فن الباليه في الغرب مع تغيّر حركة الراقصين وسرد القصة أدائياً، والذي ظلّ هو الآخر بعيداً عن ثقافة الرقص التقليدية في العالم العربي.
حتى وقت قريب، لم تبرز فرق محلية في العديد من التظاهرات المتخصّصة، لعدم إمكانية التفرّغ واحتراف هذا الفن كمهنة، إلّا أن الصورة بدأت تتغيّر، كما في "مهرجان عمّان للرقص المعاصر"، الذي انطلقت فعاليات دورته الحادية عشرة مساء أوّل أمس، السبت، في "المركز الثقافي الملكي" وتتواصل حتى العشرين من الشهر الجاري.
في حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول مديرة المهرجان رانيا قمحاوي: "جرى إنتاج ثلاثة عروض حتى الآن، تستعرض المواهب الأردنية الشابة من راقصين ومصمّمين. كما جرى توفير العديد من ورشات العمل كلّ عام بإدارة مصمّمي رقص عالميين، ما أتاح فرصة الاستفادة من خبراتهم في مجال الرقص المعاصر".
وتوضّح: "خلال إحدى عشرة سنة، جرت استضافة فرق عالمية محترفة، وأصبح لدى الجمهور الشغف لحضور عروضها والتعرّف على تقنيات الرقص الحديثة حول العالم؛ إذ تشارك هذا العام فرق من فرنسا ولبنان وألمانيا وسويسرا وإسبانيا وفلسطين وأستراليا والأردن".
وتلفت قمحاوي إلى أن التظاهرة تُعقد ضمن ملتقيات "شبكة مساحات" التي تأسّست عام 2006، وتشمل لبنان وفلسطين والأردن وسورية، وتوقّف انعقاد المهرجان فيها منذ عام 2010، مضيفةً أن الشبكة تهدف إلى التعريف بتقنيات الرقص المعاصر وتعزيز التواصل الثقافي والفني والاجتماعي مع بلدان العالم ورموزه الفنية.
أبرز ما يميّز الدورة الحالية، بحسب قمحاوي، يتمثّل في استضافة عروض من فلسطين ولبنان، إلى جانب تقديم ثالث إنتاج أردني بعنوان "النسيان الانتقائي"، وهو عمل جماعي يتضمّن مجموعة من اللوحات الراقصة التي صمّمها أعضاء من "فرقة مسك" التابعة لـ"المركز الوطني للثقافة والفنون"، إلى جانب عرضٍ خاصٍ للأطفال يتضمّن ورشة عمل تفاعلية معهم.
يتضمّن الافتتاح عرض "انسياب" الذي تقدّمه فرقة "لينغا" السويسرية، من فكرة وتصميم كاتارزينا غدانيس وماركو كانتالوبو، اللذين يحاكيان الأداء المذهل لحركة الحيوانات في مجموعات، مثل الأسماك وأسراب الطيور والحشرات، وقدرتها على تعديل سرعتها واتجاهها على الفور دون فقدان التماسك في ما بينها.
"الرجل الكبير الصغير"، عنوان العرض الذي تؤدّيه فرقة "شون باركر" الأسترالية، من تصميم وإخراج شون باركر، الذي يتناول مفهوم القوة والسيطرة الذكورية، كما يُقدَّم عرض "مجموعة من المجموعات"، من تصميم اللبناني غي نادر والإسبانية ماريا كامبوس، اللذين يستكشفان الوقت كمفهوم أساسي والبحث في فكرة اللانهاية كحلقة متواصلة وباهتمام دائم بمفهوم التكرار.
أمّا عرض "النسيان الانتقائي"، الذي يشترك في تصميم لوحاته الثماني كلّ من الراقصين الأردنيين عامر دهمان وتالين هاربيديان وسنثيا توكاجيان وغاسيا توكاجيان وراما خليفة وفيصل المأمون، إضافة إلى الكندية كلير بريتشارد، فيعكس القدرة على نسيان أحداث معينة عندما يكون ذلك أقل ألماً من تذكّر الحقيقة.
يُقدَّم، أيضاً، عرض "بين اثنين" لفرقة "ستيليستيك" الفرنسية، للكوريغراف عبدو نجوم، الذي يطرح تساؤلاً حول بناء الشخصية عندما تكون للفرد عدّة انتماءات هوياتية، و"تحت الجلد"، للكوريغراف اللبناني بسام أبو دياب، الذي يتناول كيفية تفاعل الجسم في حالات الحرب والخطر، وكيف يمكن تحويل حالة النجاة هذه إلى نوع من الرقص باستخدام تقنية محدّدة، و"هروب"، للكوريغراف الفلسطيني يزن عويضات، الذي يبني عمله ضدّ جميع التسميات غير الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية التي تقسّم الناس إلى طبقات.