قد يشعر المتلقّي عندما يَقرأ برامج المهرجانات العربية المختلفة بأنه أمام شيءٍ "شوهد من قبل"، فالموسيقيّون هم أنفسهم في معظم هذه التظاهرات، بل وحتى المسرحيات والشعراء والفرق هي ذاتها أيضاً.
وربما يعود ذلك إلى منظومة ترتيب المشاركات نفسها، وما تنطوي عليه من مجاملات وشللية في كثير من الأحيان، فالداعي اليوم مدعو غداً، وتعود كذلك إلى مبدأ العروض المضمون نجاحها والتي نجحت قبلاً وليست مغامرة عرضها لأول مرة، طبعاً إلى جانب "نجومية" المشارك، وحصة الفنان المحلي والطبيعة الترفيهية لفكرة المهرجان نفسه.
وفي ذلك لا يختلف "مهرجان جرش للثقافة والفنون" الذي انطلق أمس السبت عن غيره، بالرغم من أن برنامجه كثيف جداً ومكتظ بالفعاليات، ربما لأنه المهرجان الدولي الوحيد الذي نجح في الأردن إلى اليوم، وأصبح يقارن بمهرجانات عربية بارزة؛ مثل "بعلبك" في لبنان و"قرطاج" في تونس، وهي كلها تقام في مواقع أثرية.
إلى جانب برنامجها الذي يقدّم أسماء غنائية، ويأخذ حصة الأسد من ميزانيتها، (هناك 56 مغنّياً مشاركاً)، تتضمن التظاهرة عروضاً للفرق الشعبية من بلدان مختلفة، فإلى جانب الفرق الأردنية المعتادة التي تقدم التراث الأردني البدوي والريفي، تحضر فرقة "مقامات القدس" من فلسطين، كما تحضر فرق من أوكرانيا وتايلند.
أما البرنامج الثقافي، الذي تنظّمه "رابطة الكتّاب الأردنيين"، فيتضمّن مشاركات كل من الشعراء: المنصف الوهايبي من تونس، ومحمد شمس الدين من لبنان، وساجدة الموسوي ومحمد نصيف من العراق، وياسين عدنان من المغرب، وعامر بدران من فلسطين، وعلاء عبد الهادي من مصر، وقاسم حداد من البحرين، ومها العتوم ومريم شريف وغازي الذيبة وآخرين من الأردن.
ينظّم المهرجان أيضاً "ندوة القدس" وتتضمّن عرض فيلم "المرابطون" ومحاضرات يشارك فيها عطا الله حنا حول "رسالة القدس وفلسطين للرأي العام"، وعكرمة صبري في "مقاومة المرابطين لمخططات الاحتلال"، وعبد الله كنعان حول "الدور الأردني في حماية المقدسات"، ونواف الزرو حول "القدس من هرتزل حتى ترامب"، ووليد عبد الحي حول "آفاق ومستقبل القدس"، وعبد الله العبادي حول "الإعمار الهاشمي والوصاية على المقدسات".
يتضمن المهرجان أيضاً ندوة عن الدراماً، وبرنامجاً للسينما وآخر للمسرح، إضافة إلى فعاليات مخصصة للطفل، ولا تقتصر العروض على مدينة جرش ومسارحها الأثرية، بل تتوزع على عمّان والمحافظات الأخرى.
لا يخفى أن البرنامج تقليدي إلى حد كبير، وخاصة الجانب الثقافي منه، وهذا ليس لأن الثقافة لا يمكن أن تكون إلا أمسيات شعرية وندوات، فلو قارنا بين مهرجان مثل "شباك للفن العربي" في لندن" أو التظاهرات التي تحتفي بالفنون والموسيقى العربية المعاصرة في برلين، لوجدنا أن المشكلة ليست في جمود الثقافة بل في الإصرار على التفكير داخل الصندوق.