تفاوتت التنظيرات حول تصنيف "مسرح التعزية"، بوصفه شكلاً فرجوياً ينتمي إلى الفن الرابع، وكذلك حول نشأته وانتشاره، وهو الذي ارتبط بتصوير معركة كربلاء عام 680، التي شهدت مقتل الإمام الحسين بن علي، لكن محاولات إخراجه من حيّزه الديني إلى فضاء المسرح واجهتها اعتراضات عديدة من السلطتين السياسية والدينية.
في مقابل ذلك، استقر هذا الفن في إيران كجزء من المسرح الشعبي منذ قرون عدّة، وحظي ببعض المقاربات في محاولة لتطويره على يد بعض المخرجين، لكنها بقيت محدودة، كما اجتذبت مخرجاً مثل عباس كياروستامي (1940 - 2016) ليقدّم تجهيز فيديو بعنوان "تعزية" عام 2002.
"مهرجان مسرح التعزية الحسيني" الذي تنطلق دورته الثالثة عند الثانية من بعد ظهر السبت المقبل، وتتواصل حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري، يمثّل أول تظاهرة مسرحية عربية تتخصّص في تقديم أعمال تُقتبس جميع مضامينها من أحداث واقعة الطف، وتتوزّع العروض بين مدن بغداد وكربلاء والنجف والديوانية وميسان وواسط وبابل.
يرى متابعون أن تكريس هذا المسرح أتى بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، والذي لا تزال تداعياته تنعكس بمزيد من الانغلاق والتعصب المذهبي والطائفي، في إشارة إلى الأعمال المشاركة التي تفتقر معظمها إلى العمق والجدّة والاحتراف خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر المهرجان، بينما تظهر الطقوس المنقولة على الخشبة راسخة في الواقع.
يحدث ذلك رغم وجود العديد من النصوص الجيدة التي ألّفها كتّاب عرب ويمكن تحويلها إلى المسرح، ومنها "الحر الرياحي" للشاعر العراقي عبد الرزّاق عبد الواحد، و"الحسين ثائراً" و"الحسين شهيداً" للكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي، و"الحسين يموت مرتين" للكاتب المغربي عبد الكريم الرشيد، و"مصرع الحسين" للكاتب السوري عدنان مردم بك.
خمس مسرحيات فقط تحضر في الدورة الحالية، هي: "النصف الآخر" لـ عباس مكي العبودي، و"خاصرة" لـ عدي المختار، و"القمر الأخير" لـ هيثم الرفيعي، و"ثورة القلوب" لـ منير راضي العبودي، إضافة إلى عرض مسرحي من بلد عربي بعنوان "لو ترك القطا" لم يُعلن عن مخرجه وجنسيته بعد.
يندرج المهرجان ضمن جملة فعاليات تنظّمها المؤسسة الثقافية الرسمية من أجل إرضاء قواعد شعبية، حيث يقام مهرجان آخر بعنوان "مهرجان الطف المسرحي"، وتعقد كذلك معارض تشكيلية وملتقيات شعرية في عدد من المناسبات الدينية.