يعاني كثير من الشباب في سورية عدم قدرتهم على السفر، بسبب إجراءات تتخذها أجهزة النظام الأمنية بحقهم، معتمدة الاحتيال على القانون لترهيبهم
منذ خمس سنوات لم يفارق الخريج الجامعي الثلاثيني "أ. ع."، الشعور بأنّه سيعتقل كلما توقف عند حاجز أمني للنظام بدمشق، في وقت ما زال يحلم بأن يزور شقيقته المقيمة في لبنان منذ عام 2012، لكنّه ممنوع من السفر منذ عام 2013، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد".
يضيف: "في عام 2013، كنت قد عزمت على زيارة شقيقتي في لبنان، وأردت أن أحصل على جواز سفر، لكن لدى مراجعتي إدارة الجوازات قيل لي إنّ عليّ مراجعة أحد أفرع أمن الدولة. كان الأمر أشبه بصاعقة، فقد تحولت إلى مطلوب للأمن الذي أعتبره ثقباً أسود، لا يدخله أحد ويعود منه". يتابع: "بعد أسابيع من البحث عن واسطة والسؤال ومراجعة نفسي إن كنت قد ارتكبت أيّ فعل يستدعي هذا الإجراء، وكذلك تعرضي لعملية احتيال مادّية استغل فيها البعض مخاوفي، قللت من تحركاتي في المدينة، وتجنبت الاقتراب من الحواجز. في الفترة الأولى راجعت الفرع الأمني المحدد، وقد استمرت مراجعتي طوال ستة أيام جرى التحقيق معي خلالها مرتين". يتابع: "المضحك المبكي أنّ قضيتي كانت عبارة عن بعض الكتابات على صفحتي في موقع فيسبوك، تنتقد العمليات العسكرية للجيش السوري، في حين كان الشتم يطاول النظام بكلّ أركانه في كلّ مكان".
يلفت إلى أنه في نهاية التحقيق خرج بملف نظيف: "بالرغم من ذلك، سألني المحقق: هل ما زلت تريد السفر؟ فأجبته: نعم، زيارة أسبوع... فهمس في أذني: لماذا لا تؤمّن سفرة لك ككثير من الشباب وتستقر في الخارج، لئلا تعذبنا وتعذب نفسك؟ فحين تعود سنعيد التحقيق، وإن سافرت مجدداً فسنكرر الإجراءات، فإن كنت لا تريد السفر من دون عودة فلا تعذبنا معك... قلت له حينها: لا أريد مغادرة البلد. وحتى اليوم ما زال منع السفر بالرغم من مراجعتي لهم".
أما الناشط "ع. ع." وهو في بداية الثلاثينيات، فقد منع من السفر في المرة الأولى عام 2015، بسبب مشاركته في ورشة عمل في تركيا، إذ طُلب إلى التحقيق في فرع الأمن العسكري. يقول لـ"العربي الجديد": "كان اسم الفرع وحده كافياً لأعيش في رعب، ولولا أنّ أحد المشاركين يمتلك واسطة وأخبرني أنّ الأمر مجرد سؤال وجواب، لما كنت سأخاطر بالمراجعة، فقد سمعت الكثير من القصص عن أشخاص راجعوا الأمن فأجبروا على الاعتراف بأعمال لم يقوموا بها أوصلتهم إلى محكمة الإرهاب والمحكمة الميدانية والعسكرية". يتابع: "بالرغم من مراجعتي الفرع، وخضوعي لتحقيق مطول، سجلوا فيه كلّ شيء عني منذ ولدت، بالإضافة إلى معلومات كثيرة عن عائلتي وعائلة أبي وعائلة أمي، فإنّ منع السفر لم يرفع، وفي كلّ مرة أريد فيها السفر يجب عليّ الحصول على موافقة الفرع، التي تكون لمرة واحدة فقط".
اقــرأ أيضاً
يلفت إلى أنّ "الأسوأ من ذلك أنني عندما راجعت بعد عدة أسابيع للحصول على موافقة سفر، طلب مني المحقق أن أعطيه سبب السفر، فقلت له حينها إنّ أحد أقاربي سيأتي إلى لبنان وستذهب العائلة لتلتقي به، فأجابني أنّ هذا السبب لن يقنع المعلم، قاصداً الضابط المسؤول، فقلت له: إذاً للعلاج، فقال: وهذا غير مقنع. رحت أحاول أن أجد سبباً فلم يقتنع، حتى رآني قد عجزت، فقال لي: الحلّ بسيط لكن سيكلّفك 100 أسدية، (الأسدية ألف ليرة سورية إذ عليها صورة حافظ الأسد) وبالفعل، أصبحت كلما رغبت بالسفر أذهب وفي جيبي 100 ألف (نحو 200 دولار أميركي)، فأحصل على إذن السفر من دون أن أذكر له أي سبب". يضيف: "حاولت أن أساومه على رفع منع السفر بشكل نهائي، لكنه قال لي إنّ الأمر شبه مستحيل".
يتابع: "أعتقد أنّ منع السفر أصبح باب رزق لهم، ما يجعل الحلم بأن نستعيد حريتنا أمراً مستبعداً".
اقــرأ أيضاً
بدوره، يقول محامٍ في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية لـ"العربي الجديد": "كفل الدستور السوري حرية تنقل السوريين في مادّته رقم "38" التي نصت فقرتها الثالثة على أن لكلّ مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها، إلّا إذا منع من ذلك بقرار من القضاء المختص أو من النيابة العامة، أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة. لكنّ الأجهزة الأمنية تحتال على القانون عبر وضعها إشارة على اسم الشخص، أنه مطلوب للمراجعة إلى فرع ما، وفي بعض الأحيان أكثر من فرع، أو الاعتقال طبعاً، لكن، هنا سنتحدث عن منع السفر الذي يمارس بشكل احتيالي، وخصوصاً أن من الصلاحيات الممنوحة لها التحقيق والإحالة إلى المحاكم". يوضح أنّ "المشكلة الرئيسة تكمن في أنّ الأفرع الأمنية لا تغلق ملفات التحقيق التي تفتحها، وجزء كبير منها هو انتهاك لحرية التعبير والرأي التي نص عليها الدستور".
يضيف: "في عام 2013، كنت قد عزمت على زيارة شقيقتي في لبنان، وأردت أن أحصل على جواز سفر، لكن لدى مراجعتي إدارة الجوازات قيل لي إنّ عليّ مراجعة أحد أفرع أمن الدولة. كان الأمر أشبه بصاعقة، فقد تحولت إلى مطلوب للأمن الذي أعتبره ثقباً أسود، لا يدخله أحد ويعود منه". يتابع: "بعد أسابيع من البحث عن واسطة والسؤال ومراجعة نفسي إن كنت قد ارتكبت أيّ فعل يستدعي هذا الإجراء، وكذلك تعرضي لعملية احتيال مادّية استغل فيها البعض مخاوفي، قللت من تحركاتي في المدينة، وتجنبت الاقتراب من الحواجز. في الفترة الأولى راجعت الفرع الأمني المحدد، وقد استمرت مراجعتي طوال ستة أيام جرى التحقيق معي خلالها مرتين". يتابع: "المضحك المبكي أنّ قضيتي كانت عبارة عن بعض الكتابات على صفحتي في موقع فيسبوك، تنتقد العمليات العسكرية للجيش السوري، في حين كان الشتم يطاول النظام بكلّ أركانه في كلّ مكان".
يلفت إلى أنه في نهاية التحقيق خرج بملف نظيف: "بالرغم من ذلك، سألني المحقق: هل ما زلت تريد السفر؟ فأجبته: نعم، زيارة أسبوع... فهمس في أذني: لماذا لا تؤمّن سفرة لك ككثير من الشباب وتستقر في الخارج، لئلا تعذبنا وتعذب نفسك؟ فحين تعود سنعيد التحقيق، وإن سافرت مجدداً فسنكرر الإجراءات، فإن كنت لا تريد السفر من دون عودة فلا تعذبنا معك... قلت له حينها: لا أريد مغادرة البلد. وحتى اليوم ما زال منع السفر بالرغم من مراجعتي لهم".
أما الناشط "ع. ع." وهو في بداية الثلاثينيات، فقد منع من السفر في المرة الأولى عام 2015، بسبب مشاركته في ورشة عمل في تركيا، إذ طُلب إلى التحقيق في فرع الأمن العسكري. يقول لـ"العربي الجديد": "كان اسم الفرع وحده كافياً لأعيش في رعب، ولولا أنّ أحد المشاركين يمتلك واسطة وأخبرني أنّ الأمر مجرد سؤال وجواب، لما كنت سأخاطر بالمراجعة، فقد سمعت الكثير من القصص عن أشخاص راجعوا الأمن فأجبروا على الاعتراف بأعمال لم يقوموا بها أوصلتهم إلى محكمة الإرهاب والمحكمة الميدانية والعسكرية". يتابع: "بالرغم من مراجعتي الفرع، وخضوعي لتحقيق مطول، سجلوا فيه كلّ شيء عني منذ ولدت، بالإضافة إلى معلومات كثيرة عن عائلتي وعائلة أبي وعائلة أمي، فإنّ منع السفر لم يرفع، وفي كلّ مرة أريد فيها السفر يجب عليّ الحصول على موافقة الفرع، التي تكون لمرة واحدة فقط".
يلفت إلى أنّ "الأسوأ من ذلك أنني عندما راجعت بعد عدة أسابيع للحصول على موافقة سفر، طلب مني المحقق أن أعطيه سبب السفر، فقلت له حينها إنّ أحد أقاربي سيأتي إلى لبنان وستذهب العائلة لتلتقي به، فأجابني أنّ هذا السبب لن يقنع المعلم، قاصداً الضابط المسؤول، فقلت له: إذاً للعلاج، فقال: وهذا غير مقنع. رحت أحاول أن أجد سبباً فلم يقتنع، حتى رآني قد عجزت، فقال لي: الحلّ بسيط لكن سيكلّفك 100 أسدية، (الأسدية ألف ليرة سورية إذ عليها صورة حافظ الأسد) وبالفعل، أصبحت كلما رغبت بالسفر أذهب وفي جيبي 100 ألف (نحو 200 دولار أميركي)، فأحصل على إذن السفر من دون أن أذكر له أي سبب". يضيف: "حاولت أن أساومه على رفع منع السفر بشكل نهائي، لكنه قال لي إنّ الأمر شبه مستحيل".
يتابع: "أعتقد أنّ منع السفر أصبح باب رزق لهم، ما يجعل الحلم بأن نستعيد حريتنا أمراً مستبعداً".
بدوره، يقول محامٍ في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية لـ"العربي الجديد": "كفل الدستور السوري حرية تنقل السوريين في مادّته رقم "38" التي نصت فقرتها الثالثة على أن لكلّ مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها، إلّا إذا منع من ذلك بقرار من القضاء المختص أو من النيابة العامة، أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة. لكنّ الأجهزة الأمنية تحتال على القانون عبر وضعها إشارة على اسم الشخص، أنه مطلوب للمراجعة إلى فرع ما، وفي بعض الأحيان أكثر من فرع، أو الاعتقال طبعاً، لكن، هنا سنتحدث عن منع السفر الذي يمارس بشكل احتيالي، وخصوصاً أن من الصلاحيات الممنوحة لها التحقيق والإحالة إلى المحاكم". يوضح أنّ "المشكلة الرئيسة تكمن في أنّ الأفرع الأمنية لا تغلق ملفات التحقيق التي تفتحها، وجزء كبير منها هو انتهاك لحرية التعبير والرأي التي نص عليها الدستور".