"مقاومة التعذيب" مؤجّلة في تونس

16 ديسمبر 2016
ثمّة تعذيب مُستتر في السجون (برتران لانغلوا/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد تعطيل دام أكثر من سنة على خلفية عدم التوافق على تركيبتها، تأسست الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب. لكنّ الهيئة التي مرّت على أدائها اليمين في البرلمان ستّة أشهر، لم تحصل حتى اليوم على الميزانية المالية المخصصة لها، بالإضافة إلى عدم منحها مقراً ولا أيّ وسائل للعمل. وهذا ما عطّل عملها المتوقّع القاضي بزيارة أماكن الاحتجاز، ومراقبة مدى ملاءمة ظروف الاحتجاز وتنفيذ العقوبات مع معايير حقوق الإنسان.

منظمات عدّة كانت قد أكّدت، في أكثر من مرّة، أنّه بسبب تعطّل انطلاق عمل الهيئة تزداد أوضاع أماكن الاحتجاز سوءاً، مع شبه غياب للرصد والرقابة عليها من قبل الهيئات المستقلّة أو منظمات المجتمع المدني. وفي نهاية الشهر الماضي، أصدرت أكثر من عشر منظمات من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية الدولية لمساندة السجناء السياسيين والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، بياناً ذكّرت فيه بمرور تسعة أشهر على انتخاب أعضاء الهيئة ومرور ستة أشهر على أداء اليمين، من دون أن تتمكّن من أداء مهامها. ودعت تلك المنظمات إلى ضرورة إقرار ميزانية كافية للهيئة ضمن قانون المالية لسنة 2017.

وكانت رئيسة الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب، حميدة الدريدي، قد صرّحت بأنّه على الرغم من أهمية مهام الهيئة وتفرّدها بصلاحية الزيارات الفجائية للمؤسسات العقابية، إلا أنّها تشغل مقراً غير وظيفي في شقة في إحدى عمارات وسط العاصمة، من دون أن تتلقى أيّ دعم، لا سيّما دعماً مالياً. كذلك لم يصدر قرار تأجيل لصالح أعضائها حتى يتمكّنوا من التفرّغ لها، الأمر الذي جعلهم يشعرون بأنّ السلطة غير مدركة لدورهم في بناء الديمقراطية في تونس.

تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، استقبل وفداً من الهيئة أبلغه بالصعوبات التي تواجهها، فأمر بتخصيص مبلغ مالي مسبق الدفع لها في انتظار برمجة ميزانية خاصة بها خلال سنة 2017 حتى تتمكن من القيام بعملها في أحسن الظروف.




من جهة أخرى، لفتت الدريدي إلى أنّ الوقت قد حان لتباشر الهيئة مهامها فعلياً، فترصد وتراقب وتحقّق في شكاوى التعذيب في مراكز التوقيف والمؤسسات السجنية وترفع بعدها الملفات إلى القضاء، لا سيّما في ظلّ تزايد حالات التعذيب داخل السجون التي وصلت إلى 400 حالة، وفق ما أفادت به الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. إلى ذلك، أوضحت الدريدي أنّ أعضاء الهيئة على الرغم من عدم تفرّغهم، إلا أنّهم قاموا بعدد من الزيارات لأشخاص يشتبه في أنّهم تعرّضوا إلى الاعتداء والتعذيب في مناطق مغلقة. ومن المتوقّع تكثيف الزيارات الفجائية لمناطق الاحتجاز، والأولوية للسجون، نظراً إلى حالاتها الكارثية. أضافت أنّ الزيارات سوف تشمل مراكز الاحتفاظ ومراكز التوقيف والإصلاحيات الخاصة بالأحداث ومراكز إيواء الأطفال بدون سند ودور المسنّين وكذلك مستشفيات الأمراض النفسية التي تسجّل فيها حالات تعذيب وسوء معاملة واغتصاب وعنف شديد.

في هذا السياق، أكّد رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية، محمد كمال الغربي، لـ "العربي الجديد"، أنّ "التعذيب يتواصل في السجون ومراكز التوقيف، وكشف التجاوزات لا يكون إلا من خلال زيارات وتركيز آليات لمراقبة التعذيب ومناهضته والوقاية منه". أضاف أنّ "المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب توثّق سنوياً ما يزيد عن 200 ملفّ تتوزع بين حالات التعذيب والعنف وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتفاظ أو داخل السجون". وبحسب إحصاءات الشبكة لسنة 2015، فإنّ الشرطة مسؤولة عن 65 في المائة من الانتهاكات، يليها أعوان السجون مع 27 في المائة. إلى ذلك، ثمّة تسلط بنسبة 19 في المائة من حالات التعذيب بهدف انتزاع اعترافات، و62 في المائة بهدف العقاب، و14 في المائة بهدف التخويف.

وكانت الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب قد استحدثت، في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2013، وتضمّ 16 عضواً من العاملين في مجالات القضاء والمحاماة والطب والتعليم العالي، فضلاً عن متخصصين في حماية الطفولة وممثلين عن المجتمع المدني. أمّا مهامها فمراقبة مراكز التوقيف والسجون وتلقي البلاغات والإشعارات حول الحالات المحتملة للتعذيب في أماكن الاحتجاز والتقصّي حولها وإحالتها إلى السلطات الإدارية أو القضائية المختصة. كذلك من شأنها المساهمة في نشر الوعي الاجتماعي حول مخاطر التعذيب ونشر ثقافة الوقاية منه، بالإضافة إلى إعداد بحوث ودراسات وتقارير حول الوقاية من التعذيب والممارسات المهينة ومساعدة غيرها من الهيئات على إنجازها.