"معجون البندورة"... أزمة تعكس تأثير العقوبات على اقتصاد إيران

11 أكتوبر 2018
إيران تصنع ما تستهلكه من محصولها المحلي (Getty)
+ الخط -


ليس معجون البندورة (الطماطم) بأوضح المؤشرات الاقتصادية الإيرانية، لكنه يكشف الكثير عن أثر تجدد العقوبات الأميركية في إيران باعتباره سلعة أساسية أقبل بعض الناس على شرائها خوفا من اختفائها.

ورغم أن إيران تصنع ما تستهلكه من معجون البندورة من محصولها المحلي الوفير، فقد بثت العقوبات التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرضها منذ أغسطس/ آب الفوضى في الإمدادات.

ودفع انخفاض قيمة الريال الإيراني بنسبة 70% هذا العام إلى الإقبال على شراء العملات الأجنبية، الأمر الذي جعل الصادرات أكثر قيمة بالعملة المحلية، بدلا من بيع المنتجات في السوق المحلية.

واتجهت بعض المتاجر لتحديد حد أقصى لمشتريات معجون البندورة المستخدم في كثير من الأطباق الفارسية، وباعت بعض خطوط الإنتاج إنتاجها بالكامل مع إقبال الناس على الشراء.

وردت الحكومة بحظر تصدير معجون البندورة في خطوة ضمن سلسلة من خطوات التدخل، لمحاولة الحد من الاضطراب الاقتصادي الذي كان وقودا للاحتجاجات الشعبية وانتقاد الحكومة هذا العام.


غير أن سياسة الحكومة بخصوص معجون البندورة لم تفلح. فقد قال مسؤول بهذه الصناعة إنه يجري تهريب البندورة إلى الخارج. وقال محمد مير رضوي رئيس اتحاد صناعة التعليب هاتفيا: "سمعنا أن شاحنات تمتلئ بالبندورة ما زالت تخرج من البلاد وخاصة إلى العراق".

وأضاف: "يضعون صناديق البندورة المنتجة في الصوب الزراعية من فوق ويخفون البندورة العادية تحتها"، مشيرا إلى ثغرة تتمثل في إعفاء البندورة المزروعة في الصوب.

وهذا أحد السبل التي تضر بها العقوبات المواطن الإيراني العادي، بينما يستفيد من يمتلك العملة الصعبة.

وكانت واشنطن قد أعادت فرض عقوبات على تجارة العملة وقطاعات المعادن والسيارات في إيران في أغسطس/ آب الماضي، بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق رفع العقوبات مقابل فرض قيود على برنامج إيران النووي. وقال ترامب إن الاتفاق النووي ليس صارما بما فيه الكفاية.

وفي ضوء سريان العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية في الشهر المقبل، فإن بعض الإيرانيين يخشون أن تدخل بلادهم حالة ركود اقتصادي ربما تكون أسوأ من الفترة من 2012 إلى 2015 التي طبقت على بلادهم فيها عقوبات كبيرة.
وقال مهرداد عمادي، الاقتصادي الإيراني الذي يرأس وحدة تحليلات المخاطر بقطاع الطاقة في شركة بيتاماتريكس الاستشارية في لندن: "ثمة توافق بدأ يظهر على أن الاقتصاد سيمر بفترة تقشف مماثلة للفترة المسجلة خلال الحرب الإيرانية العراقية".

المعجون "سيصل قريباً"

تشهد مجموعة من السلع قفزات سعرية، لا سيما الوردات مثل الهواتف المحمولة وغيرها من الإلكترونيات الاستهلاكية، لكنها تشمل أيضا بعض السلع الأساسية. فقد ارتفع سعر زجاجة الحليب من 15 ألف ريال في العام الماضي إلى 36 ألفا الآن.

وبلغ سعر علبة معجون البندورة زنة 800 غرام في متاجر طهران نحو 60 ألف ريال في مارس/ آذار، وأصبح الآن 180 ألف ريال أي 1.24 دولار بسعر الصرف الرسمي، الأمر الذي دفع الأسر للتكالب على شرائه وتخزينه. وازداد سعر البندورة لأكثر من 5 أمثاله مقارنة بالعام الماضي.

وتقصر لافتات رفعت على الأرفف في بعض المتاجر مشتريات كل زبون على علبتين فقط. ويوضح موقع "ديجيكالا" الإيراني للتسوق الإلكتروني، أن أنواع معجون البندورة الرئيسية التسعة غير متوفرة، ويشير إلى أن الأنواع الباقية "ستصل قريبا".

وفي متاجر السوبرماركت في العراق يتوفر المعروض من معجون البندورة الإيراني بكثرة.

ويقول مير رضوي، إنه مما يزيد الضغوط ارتفاع سعر العلب لأربعة أمثاله. وقد سعى التجار الذين يستوردون المواد اللازمة لصنع العلب، إلى شراء الدولارات بسعر الصرف الرسمي الذي يستخدم على نطاق ضيق، وطلبت منهم السلطات استخدام سعر صرف آخر أعلى منه.

وتسبب هذا الأمر في تأخر شحنات بعض المواد إلى المصانع. وتشن الحكومة حملة على التلاعب في الأسعار، وتآمر أصحاب المتاجر من آن لآخر بالبيع بأسعار أقل. غير أن بعض أصحاب المتاجر لا يبيعون سلعهم على الإطلاق، اعتقادا منهم أن الأسعار سترتفع في نهاية الأمر من اشتداد أثر العقوبات.

تحقيق الاستقرار المصرفي

برهنت إيران، وهي منتج كبير للنفط ولديها اقتصاد متنوع، أن قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والتوزيع يمكن أن تتجاوز فترات الحرب والعقوبات الطويلة.
وارتفع مؤشر سوق طهران للأوراق المالية بنسبة 83% هذا العام مع الارتفاع الشديد في أسهم شركات التصدير. كذلك ارتفعت أسعار العقارات في المدن مع إقبال الإيرانيين على تحويل مدخراتهم إلى سوق العقار، بدلا من الاحتفاظ بالعملة المحلية المتناقصة قيمتها.

وجاء هبوط العملة الذي دفع بالسوق غير الرسمية إلى مستوى 145 ألف ريال مقابل الدولار، من 42890 ريالا في نهاية العام الماضي 2017 وفقا لموقع "بونباست". وربما يكون ذلك قد دعم النظام المالي بشكل من الأشكال.

وتواجه البنوك وصناديق المعاشات صعوبات كبيرة، لما تنوء بحمله من ديون هائلة. وقال عمادي إن انخفاض الريال إلى 190 ألفا مقابل الدولار في أواخر سبتمبر/ أيلول، حقق للحكومة أرباحا هائلة غير متوقعة عما بحوزتها من دولارات.

وأضاف أنه يبدو أن السلطات ضخت بعض هذه الأرباح في البنوك العاجزة عن سداد التزاماتها لدعمها.

غير أنه، فيما البيانات الرسمية عن الأشهر القليلة الماضية لم تنشر بعد، قال عمادي إنه يعتقد أن الاقتصاد يمر بحالة ركود قد تشتد حدة في الشهور المقبلة.

عوامل جيوسياسية

تنبأ صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع بأن الاقتصاد سينكمش 1.5% هذا العام وبنسبة 3.6% في 2019، قبل أن يتحسن ببطء.

وسيجعل ذلك الركود أقل حدة من الركود الذي شهدته البلاد في 2012 عندما انكمش الاقتصاد 7%، وأبعد كثيرا عن الضرر الذي لحق به في الحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980 و1988 عندما انكمش بنحو الربع.

كما توقع صندوق النقد الدولي أن يقفز معدل التضخم إلى ذروة تتجاوز 34% العام المقبل، ليعود لفترة وجيزة إلى مستواه في 2013.

وسيتوقف مدى شبه الركود الحالي بفترات سابقة من الأزمات الاقتصادية في إيران، على تشدد واشنطن في استخدام العقوبات في دفع الدول الأخرى لقطع تجارتها النفطية وغير النفطية مع طهران.

وقال مسؤولون أميركيون إن العقوبات ستكون أشد من التدابير العقابية التي فرضت في 2012-2015. ويهدف المسؤولون إلى تقليل الصادرات النفطية الإيرانية بشكل أكثر حدة، والإخلال بالصادرات لإيران من مراكز تجارية مثل دبي بدرجة أشد.

وقال مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون، لرويترز في أواخر أغسطس/ آب: "أعتقد أن عودة العقوبات كان لها أثر مدمر على اقتصادهم وأعتقد أن الأمر سيزداد سوءا".

غير أن عمادي قال إن الاقتصاد ربما يبدأ في التحسن تدريجا بعد عام من الآن، إذا ما نجحت الدول الأوروبية في إنشاء نظام خاص للدفع يسمح باستمرار التجارة مع إيران، وإذا ما ضيقت طهران الخناق على الفساد المستشري.

وفي الوقت ذاته ربما يواصل إيرانيون كثيرون مواجهة صعوبات في ضوء ارتفاع الأسعار وتذبذب العملة.

وقال خريج جامعي عاطل من العمل في مدينة أنديمشك الغربية، اسمه بيمان محمديان (28 عاما)، إنه حاول حماية مدخرات تبلغ 5 مليارات ريال بتحويلها إلى دولارات الشهر الماضي بسعر 183 ألف ريال للدولار.

ومنذ ذلك الحين تحسن الريال جزئيا، إذ باعت السلطات دولارات لدعم العملة المحلية وهددت المضاربين باعتقالهم. وقال محمديان إنه أصبح في ورطة، مضيفا: "من ناحية أريد أن يرتفع الدولار حتى لا أخسر مالي. لكني أريده من ناحية أخرى أن ينخفض دون 100 ألف وإلا فإن التضخم سيرتفع إلى درجة سأعجز معها عن الزواج لمدة 10 سنوات".

(رويترز)
المساهمون