"مش شحّادين"

24 مايو 2019
الزيّ البرتقاليّ... لطالما بهرني (حسن عمّار/ فرانس برس)
+ الخط -
"الصليب الأحمر مش شحّادين". عبارة راحت تتكرّر أخيراً على صفحات خاصة بـ"فيسبوكيّين" لبنانيّين. هؤلاء راحوا يتشاركونها مع متابعيهم وأصدقائهم الافتراضيّين، كعنوان لنصّ مقتضب كتبه أحدهم - في مايو/ أيار من العام الماضي - مستهجناً كيف يتهرّب الناس من متطوّعي الصليب الأحمر الذين يقفون عند تقاطعات الطرقات بهدف جمع تبرّعات لمهامهم. وتلك المهام تفيد كذلك أولئك الذين يتهرّبون من وضع ألف ليرة لبنانيّة (نحو ثلثَي دولار أميركيّ) في صناديق خشبيّة بيضاء اللون تتخللها علامة الجمعيّة باللون الأحمر ويحملها شبّان وشابات ملتزمون بالجمعيّة يرتدون زيّاً برتقاليّاً أو آخر أزرق أو قمصاناً بيضاء مع شارة الصليب الأحمر.

ألوان زيّ هؤلاء الناشطين المتطوّعين تختلف بحسب مجال التزامهم. الزيّ البرتقاليّ، الأكثر شيوعاً، لطالما بهرني. مذ كنت في سنيّ مراهقتي الأولى، رغبت في الانضمام إلى مرتديه من المسعفين. في تلك السنوات، كانت الحرب مشتعلة في البلاد وكان متطوّعو الصليب الأحمر متأهّبين دوماً لتلبية أيّ نداء إنسانيّ في خلالها، وقد وُثِّق وجودهم بين الأنقاض وفي مواقع التفجيرات وعند خطوط التماس. كانوا في كلّ مكان، وكانت صفّارات مركبات الإسعاف الخاصة بهم تختلط بدويّ القذائف وأزيز الرصاص. ما زالت تعود إلى مسمعي كلّما تحسّرت على عدم انخراطي في صفوف هؤلاء المسعفين. في ذلك الحين، كنتُ "صغيرة على التطوّع والإسعاف". هذا ما أجابني به مسؤول في إحدى الفرق وقد عبّرت له عن رغبتي. ظروف كثيرة في ما بعد - لا مجال لذكرها هنا - حالت دون انخراطي في ذلك العمل الإنسانيّ الاستثنائيّ.

سنوياً، في الثامن من مايو/ أيار، يحتفل العالم بيوم "الحركة الدوليّة للصليب الأحمر والهلال الأحمر". لا يمكن القول إنّ الفعاليّات أتت في هذا العام خجولة فحسب. تلك الفعاليّات المفترضة كانت شبه غائبة. وألجأ إلى "شبه غائبة" حتى لا أقول إنّها غابت وأُتّهم بسلبيّة لا تتلاءم مع نشاط تلك الحركة. لا شكّ في أنّ الجميع يعرف "الصليب الأحمر" و"الهلال الأحمر" وربّما استفاد في يوم من خدمات هاتَين الجهتَين أو واحدة منهما. أمّا حركتهما الدوليّة فهي، بحسب تعريف القائمين عليها، "شبكة إنسانيّة عالميّة تضمّ 80 مليون شخص وتمدّ يد العون إلى الأشخاص الذين يواجهون كوارث (طبيعيّة أو غير ذلك) أو نزاعات أو مشكلات صحيّة أو اجتماعيّة".




على خلفيّة ذلك اليوم العالميّ، تُنظَّم حملة تبرّع تحت عنوان "دعمكُن بْيرجعلكُن" في لبنان. هؤلاء الذين يحملون تلك الصناديق الخشبيّة ليسوا متسوّلين يحاولون استغلالنا. هم أشخاص "منّا وفينا" مستعدّون دائماً لنجدتنا عندما يستلزم الأمر ذلك ومن دون أيّ مقابل. لا تبخلوا في التبرّع، فهو أشبه بـ"استثمار رابح".
المساهمون