"مس أبوصك": وقعت في فخ الرشوة في موريتانيا

16 فبراير 2015
حملات إعلامية للتوعية من آثار الفساد (جورج جوبت/فرانس برس)
+ الخط -
في موريتانيا عبارة معروفة جداً، تشير إلى أن قائلها يريد رشوة، وهي: "مس أبوصك"، والأبوص يعني الجيب، والعبارة كلها تعني ضع يدك في جيبك. وكذا، هناك مصطلحات أخرى شائعة أيضاً وتدل على الرشوة، ومنها: "ادهن لي لحيتي، انتظر الكومسيوه (كومسيون)، وغيرها...

الرشوة مفتاح الخدمات 
ترتبط الرشوة في موريتانيا بكل الخدمات التي يريدها المواطن تقريباً، وترافقه في غالبية تحركاته. للحصول على الكهرباء أو المياه مثلاً، يمكن أن ترشي الموظفين فتحصل على الخدمة بلا مماطلة، وما لم تفعل تُظلم. البناء بغالبيته غير قانوني، ويكفي أن تدفع لموظف البلدية 100 دولار لتبعد عيونه عنك. حتى يمكنك أن تحصل على إجازة لقيادة سيارتك قبل أن تتعلّم القيادة. ويؤكد المواطنون أن الرشاوى قد تكون مبالغ زهيدة جداً، وقد تصل إلى 30 و40 دولاراً بحسب نوع الخدمة وحجم المعاملة.
فعلياً، الحديث عن الفساد فى موريتانيا هو حديث عن كارثة جعلت هذا البلد الغني بالموارد الطبيعة يتصدّر قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم. ‏فقد تغلغل الفساد في المجتمع، منطلقاً من أغلب القطاعات الحكومية وأكثرها حيوية وتأثيراً كقطاعات المعادن ‏والصيد والصحة والتعليم، إضافة إلى القطاعات الأمنية والعسكرية، فضلاً عن المؤسسات المالية ‏والإدارية. وقد مثّلتْ الفضائح التي تسرّبت خلال الشهرين الماضيين، وإلقاء القبض على عدد من موظفي الخزينة العامة، المتهمين باختلاس مبالغ مالية باهظة ‏وإقالة وزير المالية، أتيام جمبار، على خلفية هذا الفضائح، خير دليل على نخر الفساد في مؤسسات الدولة.

أخطبوط الفساد الممتد
ولم تنتهِ فصول الفساد عند هذا الحد، فقد أعلن البنك المركزي الموريتاني عن إفلاس مصرف "موريس بنك"، بعد ‏تلاعب بقيمة 17 مليار أوقية (57 مليون دولار)، من أموال المودعين، وجرت إقالة محافظ البنك المركزي، سيد أحمد ‏ولد الرايس، على خلفية ذلك. كما جرى بث مقطع فيديو على ‏اليوتيوب يعترف فيه العقيد الشيخ ولد بايه، مدير الرقابة البحرية السابق، بحصوله على‏‎13‎ ‎مليوناً و800 ألف دولار خلال مدة رئاسته لمندوبية الرقابة البحرية على ‏مدى أربع سنوات.
ويقول الخبير الاقتصادي، الدكتور الهيبة ولد الشيخ سيداتي، لـ"العربي الجديد": "ينعكس الفساد بطريقة سلبية على نواحي الحياة، حيث يساهم في انتشار الفقر والأمية، ويؤدي الى فشل المشاريع التنموية وغياب البنى التحتية ‏الضرورية كالمستشفيات والمدارس وغيرها من المؤسسات الضرورية التي يندر توفرها في ‏الوسط الريفي الموريتاني المتضرر الأكبر من سياسات الفساد منذ عقود"‏.
لا شك أن الجهود الرسمية تركت آثاراً إيجابية في السنوات الأولى من حكم الرئيس الحالي، محمد ولد عبد ‏العزيز، ‏لكن هذا الأثر تراجع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بسبب استغلال النظام لهذه الحملة لتصفية ‏خصومه السياسيين.
يقول الباحث الاقتصادي، خالد ولد محمدن، إن ما تقوم به الحكومة الموريتانية فى مجال مكافحة ظاهرة الفساد يقتصر فقط على اعتقال بعض الموظفين المتهمين بالفساد في حملات انتقائية موسمية تقوم بها ‏المفتشية العامة للدولة التي تتحرك بأوامر رسمية، إذ لم يصدر قانون لمكافحة الفساد ولم يجرِ تفعيل ‏المفتشية العامة للدولة.
ويضيف: "يتركز الفساد الأكبر فى بعض القطاعات الأكثر حيوية ‏وأهمية بالنسبة للاقتصاد، خاصة في قطاعات المعادن والصيد، إذ إن المحاباة في منح الرخص وغموض نشاط الشركات العاملة في هذه القطاعات علاوة على ما ‏تعرفه الشركة الوطنية للصناعة والمعادن، "اسنيم"، من فساد، ساهمت في تبديد مليارات الدولارات.
المساهمون