"مسار" عبد الفتاح كيليطو: فليكن حواراً واحداً

11 فبراير 2015
+ الخط -

يورد الكاتب والباحث عبد الفتاح كيليطو في مقدمة كتابه الجديد "مسار"، الصادر حديثاً عن "دار توبقال"، قولاً للسياسي الألماني كونراد أديناور، مفادها: "فيم أنا معنيّ بما قلته بالأمس؟".

الواقع أن القول يختزل عملية تجميع كيليطو للحوارات التي أجريت معه منذ أزيد من ثلاثين سنة، أي من بداية الثمانينيات إلى الآن. أجري بعضها بلغات أجنبية فتمّت ترجمتها، وتدور معظمها حول القراءة والكتابة، ما جعل التكرار يطبعها بالرغم من تباين في الإجابات واختلافها حسب الظرف والمرجعية التي اقتضت إجراء الحوار.

كل هذه السلبيات انتبه إليها كيليطو في سياق مراجعة الحوارات، ما استدعى قوله: "لربما ينبغي للكاتب أن يتجنّب الحوارات، أن يكتفي بكتبه ويدع قارئه يتدبر فيها أمره. وإن كان ولا بدّ، فليكن حواراً واحداً، وإلا سيتعرّض حتماً لإعادة أقواله، ربما لأن الأسئلة ذاتها تنحو أحياناً المنحى نفسه". وفي موضع آخر يقول: "تبيّنت أنني سجين دائرة ضيقة من المواضيع والقضايا لا أبارحها ولا أمل لي في تخطّيها".

يتضح من خلال التقديم، وكأن كيليطو غير راضٍ عن عملية التجميع ما دامت تدور حول فكرة وحيدة، هي كما سلف القراءة والكتابة. والأصل أن "مسار" الكاتب والباحث لا يخرج عن هذا السياق، بل إن أبحاثه النقدية ودراساته لا تتخطى، في معظمها، حدود المراجع المعتمدة ذاتها: "ألف ليلة وليلة"، "أسرار البلاغة"، "البيان والتبيين" ومؤلفات أبي العلاء المعرّي.

إن أغلب الحوارات التي ضمّها كتاب "مسار" يمثّل شخصية كيليطو من منطلقين: الأول، هو كيليطو الناقد والباحث في التراث العربي القديم بدءاً من فن المقامة إلى الحكاية والشعر القديم. وفي هذا المنحى تُستحضر التصوّرات النقدية القديمة والحديثة في سياق من التوازي الذي يخدم المعنى المراد بناؤه.

أما المنطلق الثاني، فيتجسّد في كيليطو المبدع وقد طالعنا قاصّاً في عمله "حصان نيتشه"، وروائياً في مؤلفه "أنبئوني بالرؤيا". والواقع أن القارئ المتمعن في ما يكتبه كيليطو على مستوى النقد أو على مستوى الإبداع يكاد لا يعثر على فوارق دقيقة بين التوجّهين. ومن ثمّ، ذهبت جملة من الكتابات النقدية حول نتاجاته، إلى صعوبة تجنيسها في دائرة إبداعية ما. كما أن كتابته عدّت مفتوحة على الأدبين: العربي والغربي. والأصل أنه في هذه المسافة بالذات يكمن السرّ الحقيقي للقوة الإبداعية التي تتميز بها كتابات كيليطو.

يبقى القول إن هذه الحوارات التي انتقلت من الشفوي إلى المكتوب، وبالتالي غدت كتاباً مرجعاً في وعن "مسار" كيليطو، خضعت كما ذهب إلى ذلك كيليطو نفسه، إلى مبدأ الروائي وليام فولكنر: "اقتل أحبّاءك". تلك العبارة التي يوجّهها للأدباء، وكأنه يقول لهم: "لا تترددوا بالتضحية بجزء من كتاباتكم وطرحها في سلة المهملات، على الرغم من شدة حبّكم لها".

المساهمون