"إذا ما متُّ أيها الأحياء يوماً، لا تدفنوني كما موتاكم،
احفروا قبري في ظلال الجبال
ولتكن شاهدتا قبري جديلتان
كلّما يحين آذار فلتوقظوني، لأعتصر لكم الألم بصوتي"
يُعدُّ الفنان الكردي محمد شيخو الذي ولد عام 1948 في قرية كرباوي القريبة من مدينة القامشلي السورية، أحد أبرز سفراء الأغنية الكردية السورية. محمد شيخو الذي عاش تجربته الفنية متنقلاً حيناً بين بيروت وبغداد، ولاجئاً حيناً في كردستان العراق وإيران وكردستانها، رسم صورة الأغنية الكُردية في زمنٍ كان النغم الكُردي يتراقص على أوتار الكبت والحظر والحرمان.
شيخو، الذي كانت أغنيته الكُردية سبباً لحمل عبء الاعتقال والنفي الذي طاوله من سلطة البعث، نقل اللحن الكُردي في سوريّة من الزاوية الفلكلورية إلى آفاق فنية أوسع، وأسّس بأسلوبه مدرسة غنائية أثرت بشكل كبير على تشكيل اللوحة الموسيقية الكردية في سورية.
منذ أيام، صدر كتاب مختارات لأغاني محمد شيخو عن منشورات "مشروع هنار الثقافي" في القامشلي. الكتاب الذي أعدّه الأكاديمي حسين إبراهيم يضمّ 41 أغنية مختارة ومنوّطة تتخلّلتها صور فوتوغرافية للمصوّر الصحافي رودي سعيد.
في مقدمة الكتاب، يتحدث حسين إبراهيم، عن تأثُّر شيخو بالموسيقى العربية خلال دراسته في بيروت وغنائه في بغداد، وكذلك تأثُّره بالموسيقى الفارسية خلال فترة لجوئه في إيران: "قدّم محمد شيخو بعض أغانيه بشكل جديد يختلف عن الشكل الكلاسيكي للأغنية الكردية، وذلك بسبب احتكاكه وتعلّمه للموسيقى العربية خلال إقامته في لبنان في الفترة بين عامي 1972-1970، إضافة إلى إقامته في إيران في فترةٍ أخرى بين عامي 1982-1975، مما ساعده في استخدام إيقاعات وأوزان غريبة عن الموسيقى الكردية (في بعض أغانيه)، وتكوين جمَل موسيقية جديدة في ألحانه ومعالجتها بشكل علمي ومدروس، وخير مثال على ذلك أغنية Xewa min nayê التي استخدم فيها وزنَين مختلفين، أحدهما بسيط (3/4) والآخر مركَّب (5/4) في أغنية واحدة. وأيضاً أغنية Ey Felek، حيث استخدم وزنين بسيطين، لكن، أحدهما ثنائي (2/4) والآخر ثلاثي (3/4)".
في جانبٍ آخر، يتحدّث معدّ الكتاب، عن دور شيخو في تطوير الأغنية الكردية في سورية وإنشاء ما يسمى بالأغنية الفنية، بعيداً عن الإطار الفولكلوري.
حسب القائمين على مشروع "هنار الثقافي"، يُعتبرُ نشر هذا الكتاب محاولة لوضع لبنة تأسيسية لتدوين التراث الموسيقي الكُردي في سورية وحفظه من الضياع والتشتّت الذي تعانيه الثقافة الكردية، والتي تحاول الدخول إلى ميدان التوثيق الكتابي والخروج من قوقعة الشفاهية التي أضرّت بالكردية وثقافتها وحالت دون جعلها مادة درسيّة للبناء عليها في دراسات أكاديمية.
ما يوازي هذا التوثيق الموسيقي هو حياة شيخو نفسها الذي تنوّعت محطاته. ففي 1970 غادر بلده إلى بيروت لدراسة الموسيقى وفيها انضم الى فرقة "سركفتن" لتبدأ بعدها حياته الموسيقية وتتوسّع علاقته الفنية وتُذاع أغانيه في "راديو لبنان". عام 1972 أصبح عضواً في "اتحاد الفنانين اللبنانيين"، لكنه غادر لبنان وعاد الى سورية ليعمل في حقول نفط رميلان التي عُيّن لاحقاً مسؤولاً عن الفرقة الموسيقية فيها حتى تاريخ فصله من العمل لأسباب سياسية، ومغادرته سورية إلى العراق (1973). هناك حيث غنّى في إذاعة بغداد وتعرّف على فنانين كرد من أمثال تحسين طه، ومحمد عارف جزراوي، وشمال صائب وعيسى برواري.
عام 1974، عاد الى مدينة القامشلي قبل أن يعود إلى اللجوء في العراق ومن ثم إلى إيران بعد فشل الثورة الكردية، ليعمل هناك مدرّساً للغة العربية والموسيقى.
أصيب الفنان الكردي السوري بنوبة قلبية في ربيع 1989، ليفارق بعدها الحياة. أما صوته فبقي ملامساً للألم الكردي؛ صوتٌ من ذاك الشمال السوري الذي لا يعرفه "الداخل" السوري كما يسميّه الكُرد السوريون.