"لو موند" تقضي نهارا كاملا مع "واقفي الليل"

15 ابريل 2016
مجموعة "نوي دوبو" (Getty)
+ الخط -
بعد أسبوعين على نجاح الحركات النقابية والطلابية في تنظيم أكبر الاحتجاجات المطلبية في البلاد منذ سنوات، برز اسم حركة "واقفي الليل" أو "نوي دوبو" (Nuit debout) التي تصدّرت الشارع وأعادت إلى الأذهان مشهد الشباب الذين احتلوا ساحات أثينا ومدريد (15 M) ونيويورك (احتلوا أو occupy) في السنوات الخمس الماضية.

الحركة التي تفرض نفسها يوما بعد يوما بشكل جعل الطبقة السياسية ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية تطرح تساؤلات عن أهدافها ومطالبها، خصوصاً أنّ اللقاءات التي ينظمها الشباب في ساحة الجمهورية في باريس (المكان الأول لانطلاق الحركة)، تجاوز مسألة قانون العمل وطرح نقاشات كثيرة منها ما يتعلّق بالفساد والعولمة والبيئة ومنها ما يذهب بعيداً لتناول القضية الفلسطينية والعولمة والرأسمالية.

وفي عددها الصادر الخميس، خصّصت صحيفة "لو موند" الفرنسية تقريرا مطوّلا عن الحركة، ساهم في العمل عليه أربعة صحافيين من كادر الجريدة، وفيه تعريف بالتنظيم على لسان شبابها وحوارات مع عدد من الشباب الذين افترشوا ساحة الجمهورية قبل أن تجليهم قوات الأمن الفرنسية بعنف نهار الإثنين صباحا ليعودوا مساء بزخم أكبر وبأسئلة أشد عمقا ووضوحا عن مآلات البلاد التي تشهد أكبر نقمة شبابية تجاه مشاريع الحكومة الاشتراكية.

يقول فرانسوا، الذي يعمل بائعا في محل للمجوهرات: "هذا الحراك ليس شبيها بالتظاهرات الإعتيادية، بحيث يمشي الجميع في نفس الوقت دون أن يتكلم بعضهم إلى البعض الآخر. الحال هنا مختلف، في ساحة الجمهورية خلقنا مساحة للنقاش الهادئ، يحضر شبان عمال وطلاب ليطرحوا مشاكلهم ورؤيتهم. الليل ليس حكرا على أحد.. الليل للجميع في هذه المدينة".

قرب التمثال تقف مجموعة من طلاب المرحلة الثانوية، تقترب صحافية من أحدهم وتسأله عن سبب مشاركته في الحراك بشكل مستمر منذ أسبوعين "اسمي لارني، وأنا مصر على المشاركة اليومية مساء في ساحة الجمهورية، لطالما فكّرت أنني سأترك باريس بعد تحصيلي شهادة البكالوريا المهنية للذهاب إلى مدينة أنجيه، حيث التلوّث أقلّ. اليوم لدي إحساس أنّ هؤلاء قادرون على تغيير رأيي". تنهي الصحافية المقابلة ليتجمّع المشاركون (حوالي المائتين) وتبدأ حلقة نقاش يومية ثابر المنظّمون على عقدها في تمام الساعة الثانية ظهرا. ضيفة الحلقة سيّدة اسمها ماري تيريز، تعمل مدرّسة في إحدى ثانويات بريست منذ ثلاثين عاما، استغلت عطلة نهاية الأسبوع للمشاركة في الحراك، لتعطي شهادة عن مشاركة سابقة في انتفاضة سنة 1968.

في تقارير لوكالة الصحافة الفرنسية نُشرت مطلع الأسبوع، أظهرت الإحصاءات أنّ 76 في المائة من الشباب الفرنسي متفهّم لحركة "نوي دوبو" ومطالبها مقابل 61 في المائة ممن يدعمها بشكل كامل.

يعني ذلك أنّ الحركة تحظى بدعم شبابي منقطع النظير، ويعود الأمر لأسباب عديدة يأتي في مقدّمتها فقدان ثقة الشباب بالتنظيمات الحزبية والنقابية في البلاد، فقد عبّر عدد كبير من المشاركين عن سخطهم من "الاشتراكيين" وشهدت الحلقة الأولى والأكبر من النقاش ليل 31 مارس/آذار الماضي، التي شارك فيها الاقتصادي فريديريك لوردون، شهدت تساؤلات تتعلّق باقتصاد جديد للبلاد ونظام ضرائبي عادل ويسار حي لا يمثّله هولاند وفالس وماكرون.

يقول "كاميل" (Camille) وهو الاسم المشترك الذي اختاره الشباب الذي لا يودّ التعريف عن نفسه "جئنا لندفن الإشتراكيين، حان الوقت لولادة يسار جديد مرتبط بالشارع والمطالب الشعبية."

بدورها كشفت صحيفة "لو باريسيان" في عددها الصادر أمس الخميس عن مسعى تقوده "نوي دوبو" داخل الحراك للتمدّد واحتلال ساحة "ايڤري" حيث يقطن رئيس الحكومة مانويل ڤالس في إطار الضغط على الحكومة من أجل التراجع عن قانون مريم الخمري الذي ييسّر لأرباب العمل طرد عمالهم بتكاليف أقلّ ويقلّص حجم التعويضات المالية للمطرودين أو المتنازعين في المحاكم مع أرباب العمل.

وعلّق عمدة إيڤري الاشتراكي فرانسوا شوا، على الأمر قائلاً: "أفهم جيدا مسعى الشباب إلى فتح حلقات نقاش في المدينة، لأنّ طابعها يساري شبابي ومتحرّر من قبضة اليمين المتطرّف (الذي دعا إلى حل الاعتصام بالقوة اذا حصل)، ولأنّ شبابها منخرطون بقوة في قطاع الصحة، عدا عن رغبتهم في إسماع صوتهم لرئيس الحكومة بشكل مباشر".

في الوقت الذي يسعى فيه المحتجون إلى التوسّع في مختلف المدن الفرنسية، يبقى الهاجس الأكبر لدى هؤلاء كيفية التمدد إلى ضواحي باريس الشعبية، الأمر الذي نجحوا به منذ يومين حين توزّعوا في شوارع "Saint-Ouen" حيث استطاعوا فرض حلقة للنقاش جذبت عشرات المارة في ظلّ ترقّب قوات الأمن التي تمركزت على بعد أمتار قليلة من مسرح "نوي دوبو".

"كثر لا يستطيعون الذهاب إلى ساحة الجمهورية، علينا أن نكون في كل ضواحي باريس وهي الخطوة التالية في الحراك" يقول لودوفيك.

دلالات