"لوموند" تنتقد وصاية ماكرون على لبنان: "رهان محفوف بالمخاطر"

02 سبتمبر 2020
أثناء مؤتمر صحافي لماكرون في قصر الصنوبر ببيروت (العربي الجديد)
+ الخط -

يستثمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رأس مال سياسي كبير، مكرساً نفسه وصياً على القوى السياسية اللبنانية التي يضغط عليها لإنقاذ بلد في حالة يرثى لها بعد أزمات عدة حاصرته وجاء انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب الماضي ليفاقمها. 

ومع انتهاء زيارته إلى لبنان، اعتبرت وسائل إعلام فرنسية أن رئيس البلاد المتحمس لمساعدة لبنان لديه أهداف أكبر بكثير أبعد من حدود لبنان وأكبر من إعادة تعويم السياسيين اللبنانيين وتقديمهم على أنهم أبطال الإصلاح والشفافية.

وفي السياق، قالت صحيفة "لوموند" اليوم الأربعاء، في تقرير إنه بينما كان الرئيس الفرنسي يدافع عن سيادة لبنان خلال المؤتمر الصحافي، فإنه "قدّم نفسه على أنه الوصي على قادتها"، مشيرة إلى أن "هذا الاستثمار في الملف اللبناني له بعد دولي قوي للإليزيه؛ فمنذ انفجار ميناء بيروت، أجرى إيمانويل ماكرون اتصالات لا حصر لها مع زعماء المنطقة، وكذلك مع نظيره الأميركي دونالد ترامب".

وفقاً للصحيفة، فإن الأميركيين يراقبون الجهود الفرنسية بفضول كبير، مقتنعين بأن حزب الله لن يكون في الحكومة الجديدة التي يعمل رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب على تأليفها. مع العلم أن ماكرون قارب ملف حزب الله، في ختام زيارته الثانية إلى بيروت من منطلق "كونه رجلاً مثالياً لكن براغماتي" كما وصف نفسه، إذ رد على أحد الأسئلة بخصوص الحزب قائلاً "يمكنني الآن أن أندد بحزب الله، وأن أقول لكم يجب شجبه ونزع سلاحه، وتبقون مع مشكلتكم من دون أن أقوم بأي عمل مفيد".

الأميركيين يراقبون الجهود الفرنسية بفضول كبير، مقتنعين بأن حزب الله لن يكون في الحكومة الجديدة

 

 

وأضاف "نعم حزب الله موجود في مجلس نوابكم على الأرجح بسبب ترهيب، (...) ولأن قوى أخرى لم تنجح في إدارة البلد"، مشيراً إلى أنه "قد يصبح أقوى لأنه يملك وسائل لا تملكها القوى الأخرى"، لكن "لديه مؤيدين، وهذا هو الواقع"، بحسب ما أوردت فرانس برس.

 وقال ماكرون "أحاول أن أكون صريحاً معكم. يجب إقامة حوار مع حزب الله حول هذا الموضوع، وهذا هو الحوار الذي قمت به قبل ساعة"، في إشارة إلى مشاركة النائب محمد رعد ممثلاً حزب الله في الاجتماع الذي ضم القوى السياسية في قصر الصنوبر.

وبحسب الصحيفة فإن ماكرون تحدث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني. وقال ماكرون إن هذين المحاورين أكدا له "استعدادهما لترك لبنان يقود طريقه".

من جهته، تحدث وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان في الأيام الأخيرة إلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف. وبينما جرت العادة أن يكون الحديث بين الرجلين متعلقاً بالملف النووي الإيراني، إلا أن الملف اللبناني كان على رأس القائمة هذه المرة.

وبحسب مصدر فرنسي تحدث لصحيفة لوموند، بعث الوزير برسالة واضحة إلى نظيره الإيراني، أبلغه فيها أن "حزب الله، الذي يعتبر ذراع إيران في لبنان، يجب أن يلعب دوراً بناءً في العملية السياسية الجارية، خصوصاً أن التظاهرات في لبنان، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، استهدفت أيضاً حزب الله".

بالإضافة إلى ذلك، تعتقد باريس أن الجبهة المشتركة التي شكلتها الدول الأوروبية (المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا)، ثم داخل مجلس الأمن، لمواجهة المحاولة الأميركية لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران كانت لفتة تستحق أن تمعن طهران فيها جيداً، في إشارة إلى التنازلات التي قد تعمد إيران إلى تقديمها لـ"حلفائها" الأوروبيين في لبنان.

 

رهان محفوف بالمخاطر

في موازاة ذلك، اعتبرت هيئة تحرير "لوموند" في افتتاحية اليوم، أن مبادرة الرئيس الفرنسي في لبنان تشكل "رهاناً محفوفاً بالمخاطر".

وأشارت إلى أن زيارته الثانية كانت أكثر تعقيداً من الأولى "ولكن أيضاً إذا لم تكن فرنسا، فمن؟ الولايات المتحدة غائبة، والاتحاد الأوروبي لديه الكثير ليفعله"، كما أنها كانت ضرورية أمام المحاولات التركية والإيرانية للتدخل في لبنان، لكن خطر "رهان" إيمانويل ماكرون يزداد مع كل زيارة. فهذه المجازفة ليست مجازفة "ما بعد الكولونيالية" التي ينتقدها بعض المعلقين أو السياسيين الجاهلين بالواقع الفرنسي اللبناني، بل إنها التزامات وتوقعات مرفوعة من شأنها أن تصطدم بجدار الجمود السياسي اللبناني، على حد قولها.

وتابعت الصحيفة أن إيمانويل ماكرون تحدث يوم الثلاثاء خلال مؤتمره الصحافي عن "فرصة أخيرة للنظام": إنه بالضبط هذا النظام الذي يريد المجتمع اللبناني التخلص منه، لكنه، من خلال السيطرة على مجلس النواب، يمنع أي تغيير. وخلصت إلى أن خيبة الأمل واضحة بالفعل، لأن الرئيس الفرنسي لم يعد يطالب بانتخابات جديدة على المدى القصير أو نزع سلاح حزب الله المتعاظم والمدعوم من إيران.

دلالات
المساهمون