في محلّ صغير إلى جوار السوق المركزي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، يعرض محمد ولد أسويدي ما ينتجه من "الكشطه" أو الأحزمة التقليدية التي يستخدمها الرجال عند ارتدائهم السراويل. أمّا أمله فبَيع عدد كبير منها حتى يتمكّن من صنع كميات أخرى ذات جودة عالية لكسب ثقة الزبائن وتشجيعهم على شراء "لَكْشاط" الذي يعدّ تراثاً موريتانياً".
لا يخفي ولد أسويدي أنّ العمل في مجال صناعة "لكشاط" مرهق جداً ويستلزم وقتاً طويلاً، "لكنّني قررت العمل في هذا المجال لأسباب عدّة، منها البطالة والبحث عن مصدر للعيش، وكذلك الحرص على إحياء التراث والحؤول دون اندثاره". ويؤكد ولد أسويدي لـ"العربي الجديد" أنّ "لكشاط تراث موريتاني يعتمده الرجال منذ مئات السنين عند ارتدائهم السروال المحلي، لكنّ صناعته راحت تتّخذ أشكالاً مختلفة في ظلّ صيحات الموضة الحديثة التي تشبهه وتمكّن الموريتانيين من الاستغناء عنه".
يضيف ولد أسويدي أنّ "عدم اندثار لكشاط حتى اليوم ومقاومته الصناعات وصيحات الموضة الحديثة يعودان إلى تعلق الموريتانيين بتراثهم وحرصهم عليه"، موضحاً أنّ "الرجال بمعظمهم يفضّلون لكشاط على غيره من الأحزمة التي تغزو الأسواق المحلية بأشكال وألوان مختلفة".
ويلفت إلى أنّ "تجارة لكشاط تشهد رواجاً مع اقتراب الأعياد والمناسبات الاجتماعية المختلفة، إذ إنّ الرجال يميلون إلى المشاركة فيها وهم يضعون لكشاط مع الزيّ التقليدي، في إشارة إلى التمسّك بالتراث والقيم المجتمعية الذي ما زال سائداً بقوّة في أوساط المجتمع الموريتاني".
تمسّك بالتقاليد
من جهته، يقول محمد ولد عبد الرحمن وهو من العاملين في صناعة "الكشطه"، إنّ "تجهيزها يمرّ بمراحل عدّة، أولاها دباغة جلود الماشية، ثمّ تُجرَّد من الوبر، قبل أن تغطّى بالزيت، وينتهي الأمر بتفصيلها". يضيف ولد عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" أنّ "في المراحل الأولى من صناعة جلود الأغنام والأبقار، يُستعان بالنساء، ثمّ يتولى الرجال تجهيزها للعرض في السوق المحلي".
ويتحدّث ولد أسويدي عن "نوعيات مختلفة من لكشاط، لجهة الشكل والحجم والتصميم، ولكلّ نوعية ثمنها. وتحدّد تسعيرة لكشاط في الأسواق المحلية بحسب جودته وعرضه وطوله، علماً أنّ الزبائن بمعظمهم يفضّلون لكشاط العريض جداً أو متوسط العرض ولا يحبّذون الحجم الصغير". يضيف ولد أسويدي أنّه "إلى جانب لكشاط، نجد نوعية تُسمّى النسعة، وهناك ما يُسمّى ببساطة الحزام، وذلك في محاولة من قبل الصنّاع التقليديين للحفاظ على التراث وتطويعه حتى يتماشى مع صيحات الموضة التي راحت الأسواق المحلية تتأثّر كثيراً بها".
"النسعة"
في محلّ آخر، كان سيد أعمر يشتري عدداً من النوعية المسماة "النسعة"، التي تصنّعها المرأة ويساهم الرجل في تطريزها وزخرفتها، مع الإشارة إلى أنّ الرجل ما زال يشرف على بعض مراحل تلك الصناعة لأنّها في الأصل خاصة بالرجال.
ويقول سيد أعمر لـ"العربي الجديد" إنّ "لكشاط صناعة تقليدية يتعلق بها الرجل الموريتاني، ولا يكتمل الزيّ التقليدي من دونها"، مؤكداً "أنا لا أرتدي إلا الزيّ التقليدي الذي يستلزم لكشاط وأتنقّل بين المحال التجارية لأتحقق من جودتها العالية". يضيف: "وأفضّل ما هو بعرض سميك وطول متوسط، فأنا أجد فيها متعة ما هو تقليدي، والذي لطالما فضّله الرجال في موريتانيا على غيره ممّا طرحته صيحات الموضة والذي راح يغزو السوق المحلي بكثرة".
مطالبات بالتحديث
في سياق متصل، يطالب العاملون في مجال صناعة "الكشطه" التقليدية في موريتانيا بتوفير آليات حديثة لصناعتهم، إذ إنّ تلك التي ما زالوا يعتمدون عليها صارت قديمة وتعرقل عملهم. ويشكو الصناع التقليديون من بطء تلك الآليات وما تخلّفه من مشكلات، مشدّدين على ضرورة تدخل وزارة الثقافة لدعم صناعة "الكشطه" وتطويرها. بالنسبة إليهم هذه هي الطريقة التي يكافحون من خلالها غزو الموضة التي باتت تمثّل خطراً كبيراً على هذه الصناعة التقليدية وغيرها وعلى التراث الموريتاني.
ويبقى أنّ صناعة "لكشاط" التقليدية حاجة للرجل الموريتاني، لا سيّما في لباسه المحلي، لذا يُلاحظ صراع من أجل إبقائها حيّة وسط تهديدات كثيرة، لا سيّما من قبل الموضة الحديثة.