يحصل أن يتمحور جزء كبير من أي نقاش خلال اجتماعات العمل عن الأطفال، في حال كان اثنان من المجتمعين والمجتمعات على أقل تقدير آباء أو أمهات. ويحصل أن ينتقل المتحاورون من الحديث عن ذكاء الأطفال وسرعة تطورهم/هنّ ونهفاتهم/هنّ إلى أحوال الأهل ــ العاملين. وقد يختلف سياق الحديث قليلاً إذا كانت المجتمعات نساءً، ليكون اللقاء عبارة عن "مجموعة دعم" عفوية لبعضهن بعضاً.
إذا ما اجتمع آباء جدد مع أمهات جدد، يكون الطهو محور الحديث. خلاصة أحد النقاشات كانت أنّ الأب ــ الرجل يعتقد أنّ المرأة ــ الأم يجب أن تحافظ على هذه المهمة مهما كثرت مشاغلها (هذا تعميم مرفوض يتماهى مع النظرة المجتمعية التعميمية لأدوار النساء)، مبرراً أنّ الرابط الذي ينشأ بين أفراد الأسرة الواحدة يتعزّز من خلال الطهو. لم تفهم المرأة هذا "الرابط الشرطي" بين تعزيز الرابط الأسري والأكل. واستطرد الزميل قائلاً إنّ زوجته التي تركت عملها حين أنجبت وتفرّغت لمهمة "تعزيز الروابط العائلية"، تحرص على تحضير الطعام يومياً، الأمر الذي يحافظ على دورها ومكانتها.
تاريخياً، كان الطهو بمثابة ترجمة لأدوات القمع الذكورية للنساء. وكان وما زال حصر النساء في دور واحد ومكان واحد داخل المنزل بغية الاهتمام بشؤونه وإعداد الطعام (وسابقاً الزراعة والحصاد مجاناً)، أحد أشكال التمييز الذي تعاني منه النساء في بعض مجتمعاتنا.
بشكل تدريجي، تتولى النساء أدواراً أخرى في المجتمع، من دون التخلي كلياً عن هذا الدور الذي بقي ملازماً لهنّ. عدد كبير من النساء العاملات في مجتمعنا اليوم يتولين مهمة إعداد الطعام في المساء بعد يوم طويل قضينه في العمل، بالإضافة إلى الاهتمام بالأطفال والمنزل من أجل ضمان "استمرار الروابط العائلية".
العملية الحسابية نفسها التي استند إليها هؤلاء الغيورون على "الروابط العائلية" تُنسف إذا كان أحد عناصر هذه الروابط (النساء - الأمهات في هذه الحالة) لا يشعر بالمساواة في الأدوار، أو في حال مورِس غبن في حقّ هذا العنصر لجهة تعبئة وقته بطريقة قسرية.
في المقابل، يشكّل الطهو بالنسبة إلى عدد كبير من النساء والرجال لذة ومتعة. ويصبح الدخول إلى المطبخ بعد يوم عمل شاق نوعاً من أنواع التفريغ الانفعالي. بالنسبة إليهم/إليهنّ لا يتطلب الأمر كثيراً من التفكير أو الجهد (باستثناء غسل الصحون ربّما).
في نهاية حديثهما، قالت المرأة إنّ زوجها يعدّ "تيراميسو" (حلوى إيطالية بنكهة القهوة) من أجل تعزيز "الروابط العائلية". ذُهِل زميلها وبقيَ مذهولاً، فهو لم يفهم كيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة.
*ناشطة نسوية