"كيف سقينا الفولاذ؟"... ناشطون فلسطينيون ينقلون غرف التحقيق إلى شوارع رام الله

22 فبراير 2020
مشهد من العرض (لجنة الشابات الفلسطينيات)
+ الخط -

وسط ميدان "الشهيد ياسر عرفات" بمدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، راحت مجموعة من الناشطين تعرض للمارة، اليوم السبت، أساليب التعذيب المعتمدة من قبل محقّقي الاحتلال الإسرائيلي في حقّ الأسرى الذين اعتقلوا عقب عملية "عين بوبين"، التي نُفّذت غربي رام الله في العام الماضي. أتى ذلك في إطار فعالية أُطلق عليها "كيف سقينا الفولاذ؟" وأعدّتها "لجنة الشابات الفلسطينيات".

على الرغم من الطقس الماطر، أدّى شبان بلباس "الشاباص"، الذي تخصّصه إدارة سجون الاحتلال للأسرى الفلسطينيين، عرضهم، فيما عُصبت أعينهم وهم جالسون على كراسٍ بوضعيات التعذيب التي استخدمها محقّقو الاحتلال مع الأسرى. "شبح الموزة" و"القرفصاء" و"جلسة الكرسي المقصوص" وأشكال تعذيب أخرى، كلّها كانت حاضرة. وبين هؤلاء الشبان، شابة ارتدت كذلك اللباس نفسه وعصبت عينَيها واستعرضت أساليب التعذيب. وفي المشهد، ظهر من لعب دور سجّاني الاحتلال ومحقّقيه وهم يعذّبون الأسرى، في حين راحوا يصرخون في وجه كل من مرّ في الشارع، حتى يشعر الجميع بما تعرّض له الأسرى من تعذيب على أيدي الاحتلال.

وقبيل العرض، أقام الناشطون، بمساعدة من مسرح "بسطة"، زنزانة مع نافذة مفتوحة في داخلها مرآة، وقد دُوّنت في داخلها اقتباسات من كتابات غسان كنفاني. فنقرأ: "الحبوس أنواع يا ابن العم؛ المخيّم حبس، وبيتك حبس، والجريدة حبس، والراديو حبس، والباص، والشارع، وعيون الناس، أعمارنا حبس، والعشرون سنة الماضية حبس". كما كان في إمكان المارة الوقوف أمام المرآة ومشاهدة أنفسهم فيها من خلال نافذة الزنزانة، لعلّهم في ذلك يشعرون بمعاناة الأسرى خلال التحقيق.
تقول الناشطة داليا نصار، لـ"العربي الجديد"، إنّ عنوان الفعالية "كيف سقينا الفولاذ؟" مأخوذ عن رواية الكاتب الأوكراني نيكولاي أوستروفسكي، عن الثورة خلال فترة حكم القائد الثاني للاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين، موضحة أنّ "الهدف منه إظهار صمود الأسرى في سجون الاحتلال، وكيف استطاعوا سقاية الفولاذ بصمودهم". وتشير نصار إلى أنّ "لجنة الشابات الفلسطينيات" نفّذت فعاليات عدّة لتسليط الضوء على ما يتعرّض له الأسرى، لا سيّما بعد اعتقال نحو 50 أسيراً، من بينهم 15 خضعوا لتحقيق وتعذيب عسكريَّين بعد عملية عين بوبين". تضيف أنّ "تلك الفعاليات تبيّن ما يتعرّض له الأسرى والأسيرات الذين يُنقل بعضهم إثره إلى المستشفيات، مثلما جرى مع الأسير سامر العربيد".

من خلال فعاليتهم، أراد الناشطون التأكيد كذلك على أنّ عملية التعذيب التي يتعرّض لها الأسرى ليست جديدة، وقد سقط نتيجتها 73 شهيداً منذ عام 1967 وحتى الآن، بالإضافة إلى دفع الناس إلى الالتفاف حول قضية الأسرى. بالنسبة إليهم، هؤلاء "مقاومون ومناضلون فيما المقاومة حقّ مشروع"، ويشدّدون على ضرورة أن "يناضل الشعب الفلسطيني من أجل حرية أولئك الأسرى، ومناداة الشعوب الأخرى لتقف وترى ما يتعرّضون له من قبل الاحتلال".



عقب الانتهاء من العرض في الميدان، جابت مسيرة شارك فيها نحو 200 فلسطيني شوارع مدينة رام الله على وقع الأغاني الوطنية التي تمجّد الأسرى وصمودهم، وهتفوا لهؤلاء الذين تعرّضوا للتعذيب واعتقلوا بعد عملية "عين بوبين". ورفعوا صور 15 أسيراً منهم تعرّضوا للتحقيق العسكري، إلى جانب صور وأسماء الشهداء الأسرى، ورسماً كاريكاتيرياً لأسير فلسطيني معصوب العينَين بلباس "الشاباص".

وفي بيان أصدره القائمون على الفعالية، أكّدوا أنّهم لن ينسوا ما فعله الاحتلال بسامر العربيد ورفاقه، ولا تضحية يوسف الجبالي الذي استشهد في أقبية التحقيق بسجن نابلس المركزي في عام 1968، مؤكّدين "لم يسامحوا.. ولن نسامح". وأوضحوا أنّه منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، اعتقلت قوات الاحتلال عدداً من طلاب الجامعات والمناضلين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بعضهم أُصدر في حقه أمر اعتقال إداري، وبعض آخر حُوّل إلى مراكز التحقيق المختلفة في المسكوبية وعسقلان والجلمة وبيتح تكفا، حيث تعرّضوا لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي، من خلال أساليب محرّمة بكلّ الأعراف والمواثيق الدولية، ما أدّى إلى نقل بعضهم إلى المستشفيات نتيجة خطورة حالتهم الصحية.

وأشاروا إلى أنّ التعذيب تزامن مع تواطؤ أطباء الاحتلال بالمصادقة على إمكانية استمرار التحقيق مع المعتقل، على الرغم من تعرّضه لتعذيب وحشي، فيما مُنع المعتقلون من زيارة المحامين لفترات متفاوتة زادت عن 45 يوماً. وتابعوا أنّ محاكم الاحتلال أصدرت أوامر بمنع النشر حول ما تعرّض له المعتقلون، بالإضافة إلى استخدامها أساليب التهديد والاعتقال في حقّ عائلات المعتقلين. وشدّدوا على أنّ المقاومة بكلّ أشكالها هي السبيل الوحيد للتحرير، معلنين رفضهم لكلّ أشكال التطبيع، سواء الاقتصادي أو الفني أو الأكاديمي أو الرياضي أو غيرها، ولأيّ حوار مع العدوّ. ودعوا إلى محاسبة المطبّعين، لأنّهم خرجوا عن الصفّ الوطني.

وكانت "لجنة الشابات الفلسطينيات" قد نظمت قبل نحو شهر سلسلة بشرية لتؤكّد أنّ الأسرى الفلسطينيين، وعددهم نحو خمسة آلاف أسير، ليسوا مجرّد أرقام مثلما تريدهم إدارة مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلي. كذلك نفّذت فعالية "لكلّ شهيد حياة" التي سلّطت الضوء على الذين استشهدوا بعد عام 2015 في هبّة القدس.