20 نوفمبر 2024
"كهانا حيّ" في دولة الاحتلال
قامت في دولة الاحتلال الإسرائيلية، أخيرًا، "ضجة خجولة" حيال مشاركة عضو كنيست من حزب الليكود الحاكم (يهودا غليك) كـ "ضيف شرف" في مراسم إحياء ذكرى الحاخام المقتول، مئير كهانا، في الولايات المتحدة.
وكهانا أحد زعماء "اليمين الصهيوني المتطرّف" (كلما أكتب هذه العبارة أضحك في قرارة نفسي، كما لو أن ثمة يمينًا صهيونيًا غير متطرّف)، ومؤسس رابطة الدفاع اليهودية، وعصابة كاخ الفاشية، المحظورة بحسب القانون الإسرائيلي. شغل منصب عضو كنيست في برلمان دولة الاحتلال الحادي عشر، وفي عام 1988 تم شطب قائمته الانتخابية، ومنعها من خوض الانتخابات الإسرائيلية العامة، بشبهة أنها "عنصرية". وبعد عامين، لقي مصرعه مقتولًا بعد انتهائه من إلقاء خطاب في نيويورك على يدي شاب مسلم، قيل إنه كان من نشطاء تنظيم القاعدة.
تمثلت حجة الذين أقاموا تلك "الضجة الخجولة" بأن هذه المشاركة تساهم في "تطبيع العنصرية". وزعم هؤلاء أن حظر عصابة كهانا المذكورة تسبّب بتكريس نظرة عامة إلى العنصريـة بصفتها أمرًا استثنائيًا وشاذًّا في مجتمع دولة الاحتلال.
من السهولة دحض هذه المزاعم كلها، من دون تسخيف دوافع الواقفين وراء هذه الضجة. ولغرض دحضٍ كهذا، نشير بداية إلى أنه، بعد 12 عامًا من حظر تلك العصابة، وبالتزامن مع انتفاضة القدس والأقصى عام 2000 التي شارك فيها فلسطينيو 48، جرى تعليق لافتاتٍ في شوارع كبرى المدن الإسرائيلية، كُتب عليها "كهانا على حق".
وفي يونيو/ حزيران 2001، بعد عدة ساعات من إحدى العمليات الاستشهادية الفلسطينية في قلب مدينة تل أبيب (عملية الدولفيناريوم)، تجمهر شبان يهود كانوا يرتدون البزّات الصفراء، وعليها شارة عصابة "كاخ" بالقرب من مسجد حسن بك في مدينة يافا، الذي أقيمت فيه مراسم الصلاة، وبدأوا إلقاء الحجارة نحو جموع المصلين، وترداد هتافات "الموت للعرب".
وفي ذلك الحين، خلصت إحدى الدراسات الإسرائيلية التي تناولت هذه المظاهر، ونُشرت في مايو/ أيار 2002، إلى استنتاج فحواه أن جذور العنصرية الكهانية عميقةٌ في مجتمع دولة الاحتلال.
ورأت الدراسة نفسها أيضًا، وهي لأحد أساتذة العلوم السياسية في جامعة حيفا، أن ما أسمته "التطرّف اليمينيّ" ليس مسألةً شاذّة في ممارسة المجتمع والساسة في دولة الاحتلال. وعمليًا قبل عام 1948، نشطت في فلسطين تياراتٌ قومويةٌ كان في مقدمها التيّـار التنقيحي (بزعامة زئيف جابوتنسكي)، وتأثرت أجزاء منها بفكر الفاشية الأوروبية. غير أنه في الأعوام بين 1948 و1967، ظلت هذه التيارات في صفوف المعارضة (وأساسًا ضمن حركة حيروت)، إلى أن وقع احتلال 1967 الذي أعاد تمهيد الأرضية "لاشتداد عودها"، وتقدّمها إلى مركز الصدارة، وكذلك لظهور مزيدٍ منها على غرار أحزاب "هتحيا" و"تسومت" و"موليدت" المنحلّة، وأيضًا عصابة "كاخ".
لعل الأهم، في هذه الدراسة التي استندت، من ضمن أمور أخرى، إلى استطلاع للرأي العام، أنها وجدت نسب تأييد للأفكار المتوحشة التي كانت تلك العصابة تدفع بها (منها تشجيع تهجير فلسطينيي 48، وشرعنة شن هجوم عليهم بعد وقوع عمليات مقاومة)، في أوساط ناخبي جميع الأحزاب اليهودية، بما في ذلك التي تؤطر نفسها ضمن خانة الوسط أو خانة "اليسار"، مثل حزب ميرتس!
بموجب الدراسة نفسها، تقوم "الكهانية" على أربعة أسس: العنصرية والتطرّف القومي الذي يتجسّد بشهوة التوسع الإقليمي ومعاداة الديمقراطية وتبرير استعمال العنف. ونضيف أن هذه الأسس تقوم عليها دولة الاحتلال التي تسعى إلى ترسيخها أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة.
وبخصوص العنصرية، سبق لشلومو ساند أن لفت إلى أنها موجودة في كل مكان تقريبًا، لكنها في إسرائيل غدت بنيويةً بروح القوانين التي جرى ويجري سنّها، وتُدرّس في جهاز التربية والتعليم، ومنتشرة في وسائل الإعلام، والمروّع أكثر من أي شيء، برأيه، أن العنصريين فيها لا يعرفون أنهم كذلك، ولا يشعرون أبدًا بوجوب الاعتذار.
وكهانا أحد زعماء "اليمين الصهيوني المتطرّف" (كلما أكتب هذه العبارة أضحك في قرارة نفسي، كما لو أن ثمة يمينًا صهيونيًا غير متطرّف)، ومؤسس رابطة الدفاع اليهودية، وعصابة كاخ الفاشية، المحظورة بحسب القانون الإسرائيلي. شغل منصب عضو كنيست في برلمان دولة الاحتلال الحادي عشر، وفي عام 1988 تم شطب قائمته الانتخابية، ومنعها من خوض الانتخابات الإسرائيلية العامة، بشبهة أنها "عنصرية". وبعد عامين، لقي مصرعه مقتولًا بعد انتهائه من إلقاء خطاب في نيويورك على يدي شاب مسلم، قيل إنه كان من نشطاء تنظيم القاعدة.
تمثلت حجة الذين أقاموا تلك "الضجة الخجولة" بأن هذه المشاركة تساهم في "تطبيع العنصرية". وزعم هؤلاء أن حظر عصابة كهانا المذكورة تسبّب بتكريس نظرة عامة إلى العنصريـة بصفتها أمرًا استثنائيًا وشاذًّا في مجتمع دولة الاحتلال.
من السهولة دحض هذه المزاعم كلها، من دون تسخيف دوافع الواقفين وراء هذه الضجة. ولغرض دحضٍ كهذا، نشير بداية إلى أنه، بعد 12 عامًا من حظر تلك العصابة، وبالتزامن مع انتفاضة القدس والأقصى عام 2000 التي شارك فيها فلسطينيو 48، جرى تعليق لافتاتٍ في شوارع كبرى المدن الإسرائيلية، كُتب عليها "كهانا على حق".
وفي يونيو/ حزيران 2001، بعد عدة ساعات من إحدى العمليات الاستشهادية الفلسطينية في قلب مدينة تل أبيب (عملية الدولفيناريوم)، تجمهر شبان يهود كانوا يرتدون البزّات الصفراء، وعليها شارة عصابة "كاخ" بالقرب من مسجد حسن بك في مدينة يافا، الذي أقيمت فيه مراسم الصلاة، وبدأوا إلقاء الحجارة نحو جموع المصلين، وترداد هتافات "الموت للعرب".
وفي ذلك الحين، خلصت إحدى الدراسات الإسرائيلية التي تناولت هذه المظاهر، ونُشرت في مايو/ أيار 2002، إلى استنتاج فحواه أن جذور العنصرية الكهانية عميقةٌ في مجتمع دولة الاحتلال.
ورأت الدراسة نفسها أيضًا، وهي لأحد أساتذة العلوم السياسية في جامعة حيفا، أن ما أسمته "التطرّف اليمينيّ" ليس مسألةً شاذّة في ممارسة المجتمع والساسة في دولة الاحتلال. وعمليًا قبل عام 1948، نشطت في فلسطين تياراتٌ قومويةٌ كان في مقدمها التيّـار التنقيحي (بزعامة زئيف جابوتنسكي)، وتأثرت أجزاء منها بفكر الفاشية الأوروبية. غير أنه في الأعوام بين 1948 و1967، ظلت هذه التيارات في صفوف المعارضة (وأساسًا ضمن حركة حيروت)، إلى أن وقع احتلال 1967 الذي أعاد تمهيد الأرضية "لاشتداد عودها"، وتقدّمها إلى مركز الصدارة، وكذلك لظهور مزيدٍ منها على غرار أحزاب "هتحيا" و"تسومت" و"موليدت" المنحلّة، وأيضًا عصابة "كاخ".
لعل الأهم، في هذه الدراسة التي استندت، من ضمن أمور أخرى، إلى استطلاع للرأي العام، أنها وجدت نسب تأييد للأفكار المتوحشة التي كانت تلك العصابة تدفع بها (منها تشجيع تهجير فلسطينيي 48، وشرعنة شن هجوم عليهم بعد وقوع عمليات مقاومة)، في أوساط ناخبي جميع الأحزاب اليهودية، بما في ذلك التي تؤطر نفسها ضمن خانة الوسط أو خانة "اليسار"، مثل حزب ميرتس!
بموجب الدراسة نفسها، تقوم "الكهانية" على أربعة أسس: العنصرية والتطرّف القومي الذي يتجسّد بشهوة التوسع الإقليمي ومعاداة الديمقراطية وتبرير استعمال العنف. ونضيف أن هذه الأسس تقوم عليها دولة الاحتلال التي تسعى إلى ترسيخها أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة.
وبخصوص العنصرية، سبق لشلومو ساند أن لفت إلى أنها موجودة في كل مكان تقريبًا، لكنها في إسرائيل غدت بنيويةً بروح القوانين التي جرى ويجري سنّها، وتُدرّس في جهاز التربية والتعليم، ومنتشرة في وسائل الإعلام، والمروّع أكثر من أي شيء، برأيه، أن العنصريين فيها لا يعرفون أنهم كذلك، ولا يشعرون أبدًا بوجوب الاعتذار.