يتسلّلُ مستوطنون تحت جنح الظلام، ويستغلون نوم أهالي قرية عقربا القريبة من مدينة نابلس في الضفة الغربية. هؤلاء يحيكون مؤامرة جديدة لمسجد القرية، في إطار تواصل الاعتداءات ضد المقدسات الإسلامية، وسط اتهامات للجهات الرسمية الإسرائيلية بتوفير غطاء للجماعات اليهودية المتطرفة لتنفيذ اعتداءاتها. مشهدٌ يتكرّر بين فترة وأخرى.
مسجد أبو بكر الصديق في قرية عقربا، الذي كان يزهو بلونه الأبيض، كساه الأسود في لحظات بسبب حريق أتى على معظم مقتنياته، وحوّل جزءاً منه إلى ركام. لم ينته الأمر عند هذا الحد. فالمستوطنون الذين نفذوا هذه الجريمة مطلع الأسبوع الجاري، كتبوا على جدران المسجد "هنا كهانا"، في إشارة إلى جماعة "كهانا" اليهودية المتطرفة، وكتبوا عبارات أخرى تتوعّد الفلسطينيين بـ "دفع الثمن".
ورغم عدم تمكن أهالي عقربا من أداء الصلاة في مسجدهم بفعل الخراب الذي حل فيه، أصروا على طلائه، في وقت تعهّد فيه الرئيس محمود عباس بإعادة تأهيل المسجد على نفقته الشخصية. وكان إمام المسجد يتفقد الدمار الحاصل وهو يمسك مصحفاً، ليؤكد أن المستوطنين يشنون حرباً دينية ضدّ الفلسطينيين. وقال أهالي عقربا لـ "العربي الجديد" إن "بلدتهم باتت مسرحاً لجرائم المستوطنين. وكثيراً ما تتعرض الممتلكات لاعتداءات، وخصوصاً المنازل وأشجار الزيتون. لكن هذه المرة طالت الاعتداءات المقدسات الإسلامية، والتي يعتبرها الفلسطينيون خطاً أحمر لا يُسمح لأحد بالاقتراب منه".
وأشار حمزة ديرية، وهو ناشط في مجال مقاومة الاستيطان في بلدة عقربا، إلى أن "المستوطنين استغلوا خلود المواطنين إلى نومهم، وتسللوا إلى المسجد المشيّد على أطراف القرية ونفذوا جريمتهم"، موضحاً أن "المواطنين لاحقوا المستوطنين وطردوهم إلى خارج القرية". وأضاف أن "الجرائم التي ينفذها المستوطنون تتم عادة بغطاء من قوات الاحتلال التي تتدخل في اللحظات الأخيرة وبعد تنفيذ الجريمة، بهدف توفير الحماية للمستوطنين وإخراجهم من القرية بسلام، ومنع الفلسطينيين من مهاجمتهم".
وبعد الجريمة، زار رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، بلدة عقربا، واطلع على الخراب الذي حل بالمسجد. وأكد أن "كل ما يحدث يتم بدعم من حكومة الاحتلال التي ترفض محاسبة المستوطنين على اعتداءاتهم". وقال إن "حكومة نتنياهو لم تحاسب المستوطنين أبداً على إرهابهم وتماديهم، بل أطلقت يدهم، وسمحت لهم بالقتل وحرق الأراضي، والاعتداء على أبناء شعبنا وممتلكاتهم وحتى مساجدهم وكنائسهم، بل إن هذه الاعتداءات ترتكب بوجود جيش الاحتلال الإسرائيلي وتحت حمايته ورعايته أيضاً".
ودعا الحمد الله المجتمع الدولي إلى "التدخل وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، وضمان حقه في العبادة وممارسة الشعائر الدينية، باعتبار ذلك حقاً طبيعياً مقدساً ضمنته جميع الأعراف الدولية"، مشيراً إلى أن "ما حدث في عقربا هو استمرار لمسلسل الاعتداءات بحق المقدسات، والتي تصاعدت في المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل، في وقت يتم فيه منع الفلسطينيين من التوجه إلى القدس لأداء الصلاة في المسجد الأقصى". وشدد على "سعي إسرائيل إلى جر المنطقة إلى صراع ديني من خلال إطلاق العنان للمستوطنين لارتكاب جرائمهم بحق المقدسات الدينية".
من جهته، اعتبر وزير الأوقاف، يوسف دعيس، أن ما حدث في عقربا هو جريمة جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات. وندد بالحرب الدينية التي تشنها حكومة الاحتلال و"قطعان المستوطنين بحق المقدسات في مختلف المدن والبلدات الفلسطينية، وعلى رأسها المسجد الأقصى في القدس المحتلة". وأكد أن "إسرائيل أنشأت أرضية عنصرية وأجواء مليئة بالكراهية، وذلك كله يقود إلى مثل هذه الاعتداءات على المقدسات".
حرب دينيّة وشيكة
أدان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، محمد حسين، إقدام عدد من المستوطنين على تحطيم أبواب مسجد أبي بكر الصديق ونوافذه، وخطهم شعارات عنصرية على جدرانه، وإضرامهم النار في أرجائه. وقال إن "استمرار الاعتداء على المقدسات الفلسطينية يحول المنطقة إلى قنبلة موقوتة، وينذر بحرب دينية وشيكة".