يُنظَّم المعرض بالتعاون مع متحف ألبرتينا في فيينا، ويضم مئة عمل فني وصفتها الأكاديمية بـ "الهشة والنادرة"، معظمها تخطيطات ورسومات فورية سريعة لموديلات مختلفة، ومنها ما هو أفكار في دفاتر رسم خاصة أو على الورق مباشرة، ومنها ما هو غرافيك للوحات شهيرة.
تقدم الأعمال تصوُّراً لعلاقة الفنّانين بالفن بشكل يومي، وقد عُرضت بمناسبة مئوية كليمت (1862 - 1918) وشيلي (1890 - 1918)، حيث رحل الاثنان مع سقوط الامبراطورية النمساوية المجرية، وانتهت فترة مكثّفة من الحيوية والإبداع في فيينا برحيلهما، فقد شكّل الأول حديث المرحلة في بلاده وحقّق حضوراً مؤثّراً في أوروبا، بينما مثّل الثاني الموهبة والغرابة، وتميّز كل منهما بأسلوب غير مسبوق في التشكيل الأوروبي.
يسلّط المعرض الضوء بشكل خاص على أعمالهما الإيروتيكية، وقد اشترك الاثنان في الرسم المباشر بلا اسكتشات، ونظرا إليه كوسيلة مثالية لاستكشاف أفكار جديدة للإثارة أثناء الرسم.
مواضيع الأعمال تتنوّع بين الرمزية والمناظر الطبيعية والموديلات العارية والمشاهد الحسية، بحيث يشكّل كليمت وشيلي نموذجين نمساويين في الحداثة المبكرة في الرسم واكتشاف أنماط رسم وخامات وأساليب جديدة.
من الأعمال المعروضة لكليمت نسخة: غرافيك لـ "القبلة" عمله الأشهر، و"العناق" (1901) و"امرأة عارية واقفة" التي رسمها عام 1901، أما لشيلي فنجد: "امرأة عارية جالسة" (1914)، و"عازف التشيلو" (1910)، و"مجموعة من ثلاث فتيات"(1911)، و"صورة ذاتية بصدرية صفراء" (1914).
كان عمر شيلي عشرين عاماً حين قايض كليمت أن يعطيه مجموعة كبيرة من أعماله مقابل لوحة واحدة له. في البداية سأله إن كان يعتبره موهوباً، فلم يرد كليمت مباشرة، فبادر شيلي قائلاً: "أعطيك عدة أعمال رسمتها مقابل لوحة واحدة منك"، فأجاب كليمت: "لماذا تريد أن تتبادل معي، أنت ترسم أفضل مني".
كان ذلك في عام 1910، وعلى مدى السنوات الثماني التالية، أي حتى رحيلهما، اعتَبر شيلي كليمت معلّمه، وبنى على إنجازاته في البورتريه النفسي، وفي الرمزية، وظهر في النهاية كخليفة له، بحداثته التي كانت أكثر راديكالية.
في المعرض أيضاً لوحات عري كئيبة لكليمت مرسومة بقلم الرصاص وبعضها بالطباشير الأزرق من بينها: "مجاز لمنحوتة" (1889) الذي أنجزه قبل أن يولد شيلي، و"سيدة بقبعة" (1897)، و"المحبوبان" (1907/1908) المرسومة على ورق ياباني مزيّن بزخارف ذهبية.
كان شيلي متأثّراً بإيقاعات كليمت وطباشيره الملوّن، ورسم أعمالاً يظهر فيها تأثير المعلّم عليه، ومنها "إزهار الأشجار وإيراقها" عام 1908، متأثراً أيضاً بخطوط رسم الطبيعة في الفن الياباني التقليدي، ثم بدأ ينحو إلى رسم تلك الخطوط الديناميكية المتعرّجة والغامضة التي منحت أعماله روحها التشاؤمية الخاصة، لا سيما عندما طبّقها على البورتريهات الذاتية، فبدا ساخراً هازئاً من ذاته، وحين ظهرت هذه التعرّجات في لوحاته الحسية أظهرت الشخصيات وكأنها ترتجف.
تقديم كليمت وشيلي في معرض واحد يتجاوز الشهادة على حقبة فنية إلى تقديم صورة تشكيلية للمجتمع ما قبل الحرب العالمية الأولى، ففي أعمالهما ذلك النقد اللاذع للمجتمع؛ حيث يُظهر كليمت في لوحاته تناقضات الإمبراطورية التي كانت تتعفن وتثقل تحت وطأة الفساد والقمع وفقر المجتمع.
كذلك فعل شيلي بتقديم الفتيات الفقيرات بجوارب شفّافة يحاولن الظهور وهن يعشن تحت نظرة اجتماعية قاسية ويتحرّكن بأجساد يظهر عليها نحول الجوع وليس الجمال، مُظهراً هشاشة المظاهر الراقية والعماء عن معاناة الطبقات الفقيرة.