في أحد الأبراج السكنيّة غرب مدينة غزة، تتساوى المدفأة الكبيرة "حديثة الطراز" مع غيرها من التحف الفنيّة داخل شقة الفلسطيني أمجد صيام، إذ تبدو كقطعة "ديكور"، في ظل استمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة تتجاوز الـ 16 ساعة يومياً.
صيام وهو أب لستة من الأبناء بينهم 3 أطفال، يقول إنّه يشعر بالأسف على شرائه في الصيف الماضي مدفأة "فاخرة غالية الثمن"، فهي في غزة، وتحديداً في الوقت الراهن، تماثل "اللوحات" و"الأشياء الرمزية"، على حد وصفه. ويتابع صيام (42 عاما) "مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي لم تعد هناك أي فائدة تُذكر لوسائل التدفئة الحديثة".
ورغم معارضة زوجته الشديدة لجلبه "كانون النار" التقليدي داخل الشقة، إلا أنّ صيام، وأمام البرد القارس، قرر أن يبحث عن الدفء من خلال "التدفئة البديلة" والبدائية في ذات الوقت.
ويقول ماجد ناجي (26 عاما)، إنّه لم يجد حلا أمامه سوى شراء الحطب والفحم وإشعاله في "الموقد الصغير"، لتدفئة والده العجوز المريض. ويتابع "نقوم في أسفل البرج (البناية السكنية) بإشعال النار في الكانون (الموقد) والانتظار إلى حين انحسار الدخان الأبيض الكثيف (لتفادي الأضرار الصحية)، وإدخاله إلى الشقة، أبي مريض والبرد يزيد من وجعه، وما من وسيلة سوى الاعتماد على وسائل التدفئة البديلة القديمة".
وتُدرك سلوى الزهارنة (34 عاما)، وهي أم لخمسة أطفال، أضرار إشعال الحطب والفحم على الصحة، وما قد تسببه هذه الوسيلة من اختناق بفعل نقص للأوكسجين داخل الشقة، لكنها أمام ما تصفه بـ"البرد المرعب، والمخيف تجد في كانون النار ملاذاً يقي أجساد صغارها من البرد القارس".
وتُضيف الزهارنة "البرد مخيف وقاسٍ جداً هذا العام، ويأتي بالتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي، وما من حل أمامنا سوى التدفئة القديمة".
انقطاع الكهرباء والغاز يجعل الحطب بديلاً
ومنذ 8 سنوات يعاني قطاع غزة، حيث يعيش حوالي 1.9 مليون نسمة، من أزمة كهرباء كبيرة، عقب قصف إسرائيل لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع منتصف العام 2006، ما دفع السكان إلى العيش وفقا لجدول توزيع يومي، بواقع 8 ساعات توافر للتيار الكهربائي و8 ساعات غياب.
الخمسيني يوسف النجار، يرى أن "كانون النار" وفق قوله "رفيق الفقراء والأغنياء في غزة" التي تحاصرها إسرائيل. ويُضيف "الأسر الفقيرة والمحتاجة ليس باستطاعتها أن تشتري المدافئ الحديثة، والأسر الغنية، والتي بإمكانها أن تنال أي مدفأة تريدها، لا تستفيد منها في ظل انقطاع التيار الكهربائي".
الفلسطيني مروان خليفة (45 عاما) أوضح أنّ البرد القارس جعلهم يبحثون عن أبسط الوسائل، وأكثرها بدائية. وقال: "لدي مدفأة تعمل على الغاز، ولكن في ظل أزمة الغاز تبدو بلا فائدة".
وتقول شادية زقوت (50 عاما) "هذا الشتاء الأكثر برودة منذ عقود، الصغار والكبار تتجمد أطرافهم، والصقيع يشتد، لا ماء ساخن، ولا مدفأة تعمل، ولا وسيلة أمامنا سوى إشعال الحطب والفحم للحصول على بعض الدفء".
وبحسب الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أشرف القدرة، فإن العائلات الغزية، وفي ظل البرد الشديد، لجأت إلى الفحم والحطب، لاستخدامه في تدفئة منازلهم، كبديل عن المدافئ في ظل انقطاع التيار الكهربائي، ما يسبب وصول العديد من حالات الاختناق إلى مشافي غزة.
وقد عمد جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة إلى توعية المواطنين بكيفية إشعال الفحم وتهوية المكان، خاصة في البيوت محكمة الإغلاق. ويقوم الكثير من المواطنين بإشعال النار على الكانون في الشوارع أو قرب ساحات المنازل، ومن ثم الانتظار إلى تحول الحطب إلى جمر، ثم ينقلون الموقد إلى داخل البيوت لمنحها الدفء المطلوب.