"كارلوفي فاري الـ53": يوميات مهرجان وأحوال ناسه

04 يوليو 2018
من "واجب" لآن ـ ماري جاسر (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
يستمرّ الزحام في أروقة فندق "تيرمال"، المقرّ الأساسي لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي". صباح اليوم الثاني للعروض المفتوحة أمام المشاهدين، تمتلئ أكشاك مبيعات التذاكر، منذ الصباح الباكر، بمهتمّين يسعون إلى حجز أمكنة لهم لمشاهدة خيارات عديدة. الزحام مُريح لأناسٍ "متورّطين" بالفن السابع. الأفلام كثيرة. ضيوف ومدعوون غير قادرين على الحصول على بطاقات دخول لأفلام مختلفة بسبب زحام كهذا. التورّط جميل. اللغة تحول دون فهم ما يُقال، لكن المشهد يؤكّد حيوية جماعية إزاء مهرجان يُقدِّم شيئًا من إبداعات العالم في 8 أيام. 

هذا جزءٌ من ثقافة اجتماع وبيئة يبغي كثيرون فيها متابعة أحوال الدنيا. الزحام دليلٌ على جاذبية المهرجان بأفلامه المختارة من أمكنة وهويات وهواجس. لكنه زحام غير مقتصر على يوم أحد يُعتبر إجازة أسبوعية (وهذا يؤكّده متابعو المهرجان في دورات عديدة سابقة). المناخ المعتدل دافعٌ إلى جلوس في أمكنة مفتوحة على الشمس والطبيعة. لكن عتمة الصالة تبدو أقوى من هذا. مباريات كأس العالم غير متمكّنة من تبديل حماسة شبابٍ (هم الغالبون على الفئات العمرية المختلفة) إزاء السينما.

الحماسة تلك غالبةٌ، وإنْ باختلاف بسيط، في عرضٍ خاصٍ بالفيلم الفلسطيني "واجب" لآن ـ ماري جاسر. الحضور اليهودي فاعلٌ في المدينة، خصوصًا بجانبه الإسرائيلي، لكن المهرجان غير مبالٍ بالتزامات أو أجندات سياسية، إذْ يدأب على اختيار الأفضل، و"واجب" أحد الأفلام الفلسطينية المثيرة لمتعة المُشاهدة والنقاش. المهرجان نفسه منفتح على عوالم وسينمات مختلفة، و"واجب" نموذجٌ لأحد تلك العوالم والسينمات قادرٌ على إثارة توتر ما لدى مناهضين لفلسطين وإبداعاتها. مشاهدو الفيلم مرتاحون إليه، فأعدادهم وفيرة، وتلقّيهم إياه ملائم لطرحه السينمائي والجمالي والدرامي والإنساني.

للزحام نفسه صورةٌ أخرى، تحضر داخل فندق "تيرمال" أيضًا: عشرات الشباب يفترشون الأرض مقابل الصالات القليلة والصغيرة، بانتظار فتح الأبواب وبدء العروض. يجلسون بصمت، إذْ يهتمّون بقراءة أو بتواصل عبر هواتف ذكية، أو يكتفون بتأمّل لن يفقه أحدٌ شيئًا منه.

اللغة التشيكية عائقٌ كبيرٌ. يتمنّى زائرٌ عربيّ للمهرجان تواصلاً مع شبابٍ يتردّد في أروقة المهرجان أنهم آتون من أمكنة مختلفة، بعضها بعيدٌ عن كارلوفي فاري، لمشاهدة نتاجات مقبلة من خارج بلدهم. لكن الزائر يسأل متابعين دائمين للمهرجان عن مغزى العلاقة القائمة بين هؤلاء الشباب تحديدًا والمهرجان، فيُقال له إن المسألة متعلّقة بهاجس السينما وحكاياتها، إذْ إنّ العروض التجارية حكرٌ على المتداول في أنحاء مختلفة في العالم، ولا جديد فيها غالبًا.

هذا ما يُفترض إنجازه في أمكنة عربية مختلفة، تتعطّل فيها العلاقة السوية بين مهرجانات سينمائية عديدة تُقام فيها وأبناء الأمكنة ومحيطها. فالغالبية الساحقة من المهرجانات المُقامة في مدن عربية عاجزةٌ عن تحقيق أمورٍ كثيرة، منها إنشاء علاقة متينة بالمجتمع وناسه، فيبدو المهرجان حينها حكرًا على ضيوف ومدعوين.
المساهمون