"قضايا الثلاجة"... شكل من التنكيل بالمعتقلين في مصر

22 ديسمبر 2019
تعتقل السلطات المصرية العديد من الصحافيين (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

يطلق حقوقيون وسياسيون في مصر على نوع معيّن من القضايا مصطلح الثلاجة، ذلك لأنّها تظلّ مفتوحة وتستقبل متهمين جدداً بين الحين والآخر، في عملية أشبه بالتخزين والحفظ في الثلاجات بمعناها المتعارف عليه. والمحتجزون في قضايا الثلاجة لا علاقة بينهم ولا رابط يجمعهم، إذ لا يعرف أغلبهم بعضهم، كما أنّ ظروف اعتقالهم وأسبابها ليست واحدة. وهناك نماذج عدة بارزة لما يعرف بقضايا الثلاجة في مصر، منها قضايا رقم 930، و441، و488، و977، وغيرها.

القضية رقم 930:

القضية رقم 930 لسنة 2019 المعروفة إعلامياً بـ"تحالف الأمل" تضمّ عدداً من السياسيين والصحافيين والحقوقيين الذين يواجهون جميعهم اتهامات "مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، وتمويلها والانضمام إليها مع العلم بأغراضها".

بدأت قضية "تحالف الأمل" يوم 25 يونيو/حزيران الماضي، بالقبض على النائب البرلماني السابق وعضو الهيئة العليا لـ"الحزب المصري الديمقراطي" زياد العليمي، إلى جانب الصحافي حسام مؤنس منسق حملة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. فضلاً عن الصحافي والناشط في مجال الدفاع عن الحريات والصحافيين هشام فؤاد، والناشط العمالي أحمد تمام، والكاتب والخبير الاقتصادي عمر الشنيطي. هذا بالإضافة إلى رجلي الأعمال أسامة العقباوي، ومصطفى عبد المعز، ومدير المنتدى المصري لعلاقات العمل الحقوقي حسن بربري. ثمّ أضيف إلى هذه القضية عدد آخر من النشطاء والسياسيين، بشكل غير مبرر، مثل كريم حسين المعروف بدفاعه عن الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وهو مدير صفحة "أنا آسف يا ريس" على موقع "فيسبوك"، ورامي شعث، الناشط السياسي المصري من أصل فلسطيني وعضو الحملة الشعبية لمقاطعة إسرائيل، الذي اختفى في 5 يوليو/تموز الماضي، وظهر بعد 36 ساعة أمام نيابة أمن الدولة، على ذمة قضية "تحالف الأمل".

ولاحقاً أضيف إلى هؤلاء ستّ فتيات هنّ علا جمال صالح، وسمر محمد محمود، وهند صلاح الدين عبد الظاهر، ومروة عبد الحكيم ريان، ومنار أحمد مصطفى، وسمر عبد الراضي علي فرغلي.

وقد اتهمت نيابة أمن الدولة المقبوض عليهم وقتها "بمشاركة جماعة الإخوان في تحقيق أغراضها ونشر وبث أخبار كاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بغرض إثارة الفتن وقلب نظام الحكم، فضلاً عن اتهام بعضهم بتمويل وإمداد الجماعة". وقد قررت حبسهم جميعاً 15 يوماً على ذمة التحقيق.

ثمّ تمّ التوسّع في الحملة الأمنية الشرسة، والقبض على عشرات آخرين على ذمة القضية نفسها، قبل أن تصدر لاحقاً قرارات بالتحفظ على أموال 70 متهماً و15 شركة على ذمة القضية رقم 930.

القضية رقم 488:

يرجع أصل هذه القضية إلى أحداث مارس/آذار 2019، عندما دعا الإعلامي المعارض معتز مطر المواطنين إلى القيام بضوضاء جماعية في وقت محدد، كنوع من الاحتجاج السلمي، تحت شعار "اطمّن أنت مش لوحدك"، عقب حادث قطار محطة مصر في القاهرة الذي أسفر عن وفاة 22 شخصاً.

وأضحت القضية 488، المعروفة إعلامياً بـ"الصفارات" أو "الصفافير"، خلال الفترة الأخيرة ثلاجة جديدة؛ فمنذ فتحها لا تزال تُشنّ حملات اعتقال في إطارها، وتجديد حبس متهمين آخرين على ذمتها.

ومن أبرز المحبوسين على ذمة قضية "الصفافير" التي عادت أخيراً إلى الواجهة: القيادي العمالي كمال خليل، والصحافي خالد داود، والصحافية إسراء عبد الفتاح، والصحافية سلافة مجدي وزوجها المصور الصحافي حسام الصياد، والباحث إبراهيم عز الدين، والدكتور حازم حسني، والدكتور حسن نافعة، والمصور الصحافي إسلام مصدق، والصحافي أحمد شاكر، وغيرهم.

القضية رقم 441:

فتحت القضية 441 عام 2018، وبدأت بإدراج 9 متهمين جميعهم إما صحافيون أو حقوقيون، وجدوا أنفسهم مجتمعين على ذمة قضية واحدة، من دون حتى سابق معرفة تذكر بينهم جميعاً، خصوصاً أنهم ينتمون لأيديولوجيات وتوجهات سياسية ودينية متباينة. ولا تزال تلك القضية تستقبل متهمين جدداً كل فترة، لا يجمعهم انتماء سياسي ولا فكري ولا حتى ديني، بينما جمعتهم اتهامات "نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد، والانضمام لجماعة أسست خلافاً للقانون والدستور"، في قضية واحدة، كنموذج لاستمرار عمليات القبض التعسفي على النشطاء والصحافيين والحقوقيين، والزجّ بهم في قضايا تتعلق بأمن الدولة.

وتعرف القضية رقم 441 لسنة 2018 إعلامياً بـ"الثقب الأسود" الذي يبتلع الصحافيين والنشطاء والحقوقيين، ويتهم فيها عدد كبير من هؤلاء، بينهم: رئيس تحرير موقع "مصر العربية" عادل صبري، والصحافيون معتز ودنان ومصطفى الأعصر وحسن البنا، والمحامي عزت غنيم، والمدون محمد إبراهيم محمد رضوان المعروف بمحمد أكسوجين. وممن حالفهم الحظ وتمّ استبدال حبسهم بتدابير احترازية على ذمة هذه القضية هم: الناشط السياسي وائل عباس، والصحافية شروق أمجد، والمصور الصحافي عبد الرحمن الأنصاري.

وكان أحدث المنضمين لتلك القضية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عضو حزب "العيش والحرية" عبد الله السعيد، بعد اختفاء دام نحو 35 يوماً، لم يتواصل خلالها مع أي من محاميه أو أسرته، حتى ظهر على ذمة القضية 441.

القضية رقم 977:

القضية 977 لسنة 2017 والمعرفة إعلامياً بـ"مكملين 2"، ثلاجة أخرى، لا منطق فيها ولا علاقة بين المتهمين على ذمتها، ولا اتهام عقلانيا يجمعهم معاً. والاحتجاز على ذمة هذه القضية مغلّف بقرار من النيابة العامة، حتى يستطيع رئيس الجمهورية أو أي مسؤول رسمي أن يقول بكل أريحية ليس لدينا معتقلون، وكل المحتجزين محبوسون احتياطاً بقرار من النيابة العامة بعد إجراء تحقيقات، وليس خارج إطار القانون. وذلك لا ينفي حقيقة أنّ المعتقلين على ذمة هذه القضية محتجزون من دون دليل، وخارج إطار العقل والعدالة.

وعلى الرغم من مرور أكثر من عامين على فتح هذه القضية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، لم تعلن أي جهة رسمية عن عدد جميع المتهمين فيها وأسمائهم، أو عدد المعتقلين والمحبوسين على ذمة التحقيقات فيها، ولكن يفاجأ الشارع المصري بين الحين والآخر بضمّ صحافيين جدد ومغردين شباب للقضية.

وبالنسبة للمعتقلين المعروفين على ذمة القضية رقم 977، فإنّ أبرزهم أحمد السخاوي الصحافي الذي ألقي القبض عليه يوم 23 أكتوبر 2017، واختفى لمدة 27 يوماً قبل أن يظهر في النيابة على ذمة هذه القضية. وهناك أيضاً إسلام الرفاعي الشهير بـ"خرم"، وهو مغرد ليبرالي ساخر، تمّ إلقاء القبض عليه يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وهناك كذلك الصحافي إسلام غيط، الذي ألقي القبض عليه في 13 نوفمبر 2017 وظهر لاحقاً في النيابة على ذمة القضية نفسها. ومع هؤلاء أيضاً الصحافيان حسام السويفي وأحمد عبد العزيز اللذان ألقي القبض عليهما خلال وقفة احتجاجية على سلم نقابة الصحافيين في 7 ديسمبر/كانون الأول 2017، وكانت ضدّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب حينها، باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال، قبل أن يتم إخلاء سبيلهما أخيراً. وهناك في القضية رقم 977 النشطاء إسلام عشري، وشريف محمد عبد المطلب، ونسرين عنتر عبد اللطيف، الذين ألقي القبض عليهم في 8 ديسمبر/كانون الأول الحالي وتوجيه اتهامات لهم بـ"التعامل مع كيانات إعلامية معادية للدولة والانتماء لجماعة إرهابية أسست على خلاف القانون والعمل على نشر الشائعات في البلاد".

المساهمون