"قسد" تناور للتأثير في شرق الفرات

03 ديسمبر 2019
دوريات تركية في شرق الفرات(بكير قاسم/الأناضول)
+ الخط -


مرة أخرى لم تجد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بداً من الهروب إلى الأمام لتفادي السيناريو الأسوأ، فتوصلت لاتفاق عسكري جديد مع الجانب الروسي والنظام السوري لتسليم مدن وبلدات وقرى في منطقة شرقي الفرات متنازع عليها مع "الجيش الوطني السوري" التابع للمعارضة والمدعوم من الجيش التركي. في السياق، أعلن قائد "قسد" مظلوم عبدي، التوصل إلى اتفاق مع روسيا ينص على دخول قواتها إلى بلدات عامودا وتل تمر وعين عيسى في ريفي الرقة والحسكة في شمالي شرق سورية. وذكر عبدي، في تغريدة نشرها، مساء الأحد على حسابه في موقع "تويتر"، أن "قسد" استقبلت اليوم (الأحد) قائد القوات الروسية العاملة في سورية، العميد ألكساندر تشايكو، والاجتماع بين الطرفين كان "مثمراً للغاية". وأضاف: "اتفقنا على نشر القوات الروسية في كل من عامودا وتل تمر وعين عيسى من أجل أمن واستقرار المنطقة. نتطلع إلى بذل المزيد من الجهود المشتركة لمصلحة بلدينا".

وتقع عامودا على الحدود السورية التركية مباشرة إلى الشمال الشرقي من مدينة الحسكة مركز المحافظة، بينما تقع تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي على بعد نحو 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية. وتقع عين عيسى في ريف الرقة الشمالي وظلت لفترة طويلة مركزاً رئيسياً من مراكز الإدارة الذاتية الكردية التي نقلت كوادرها المدنية، يوم السبت الماضي، من بلدة عين عيسى إلى مدينة الرقة مركز المحافظة. ولطالما كانت عين عيسى وتل تمر وريفهما مسرحاً لاشتباكات ضارية بين "قسد"، و"الجيش الوطني السوري"، نظراً لأهمية البلدتين كونهما يقعان على الطريق الدولي "أم 4" الاستراتيجي. ولكن "الجيش الوطني السوري" فشل في السيطرة عليهما، ما استدعى تفاهمات جديدة بين الأتراك والروس، يبدو أنها أفضت إلى تسلّم الروس لهذه المناطق تجنباً لانهيار اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة، الذي حدّد معالم السيطرة في منطقة شرقي نهر الفرات. مع العلم أن الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب أردوغان، توصّلا في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في مدينة سوتشي الروسية، إلى مذكرة تفاهم تنص على انسحاب الوحدات الكردية التي تقود قوات "قسد" من الحدود السورية التركية نحو الجنوب بعمق 30 كيلومتراً، فضلاً عن دخول قوات حرس الحدود السورية والشرطة العسكرية الروسية إلى الأراضي المحاذية لمنطقة السيطرة التركية، الممتدة من مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي إلى مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي على مسافة اكثر من 100 كيلومتر، وبعمق يصل إلى 30 كيلومتراً.

ويُعدّ الاتفاق الكردي الروسي الجديد هروباً آخر من "قسد" إلى الأمام لتفادي الصدام المباشر واسع النطاق مع الجيش التركي، بما يشكّل خطراً على هذه القوات التي تحاول ترتيب أوراقها وأولوياتها على ضوء التطورات الأخيرة التي استجدت منذ بدء الجيش التركي عملية عسكرية، بهدف القضاء على هذه القوات في شمالي شرق سورية لولا التدخل الأميركي المباشر. وتحاول "قسد" المناورة للحد الأقصى للبقاء لاعباً مؤثراً في سير الأحداث في منطقة شرقي نهر الفرات، من خلال تحقيق الحد الأدنى من التفاهم بين النظام والروس لأبعاد الخطر التركي الذي تراه الأخطر عليها لجهة وجودها. وأفادت مصادر مقرّبة من الإدارة الذاتية الكردية لـ"العربي الجديد" بأن مخاطر الاتفاق مع الروس والنظام، أقلّ من مخاطر المواجهة مع الجيش التركي الذي يستهدف القضاء على أي قوة كردية في سورية.



وسبق لـ"قسد" أن أبرمت اتفاقاً مع النظام والروس في أكتوبر الماضي سمحت من خلاله لقوات النظام والقوات الروسية التمركز على الحدود السورية التركية شرقي نهر الفرات، للحيلولة دون اتساع نطاق العملية العسكرية التركية التي بدأت في 9 أكتوبر الماضي. وحققت هذه القوات من خلال الاتفاق ما تريد، فتوقفت العملية التركية عند حدود جغرافية معينة، ولكن "قسد" وجدت نفسها أسيرة هذا الاتفاق الذي يحاول النظام أن يجعله مدخلاً للسطو على كامل منطقة شرقي نهر الفرات، الخاضعة بمعظمها لسيطرة "قسد"، تحديداً الجانب المهم الذي يضم حقول النفط والغاز في ريفي الحسكة ودير الزور. وتؤكد مصادر مطلعة في دمشق لـ "العربي الجديد" أن النظام "يتحيّن الفرص للانقضاض على قسد"، مضيفة أن ما يردعه عن ذلك هو الوجود الأميركي في المنطقة.

في المقابل، تحاول قوات "قسد" تطوير تحالفها مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مع استخدامها ورقة تنظيم "داعش" لإبقاء السيطرة على الشرق السوري الغني بالنفط، في ظلّ دأب "قسد" على تذكير العالم بأن "داعش" يُمكن أن ينهض من جديد في منطقة لا يزال الاضطراب يتسيّدها. في هذا الصدد، لا يزال التنسيق الأمني والعسكري في أوجّه بين "قسد" والأميركيين، إذ دهم الجانبان، يوم الأحد الماضي، معابر تهريب النفط على نهر الفرات، في مناطق عدة بريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات.

وأوضحت مصادر محلية أن "قوات التحالف داهمت مناطق ذيبان والطيان وشنان، ودّمرت حرّاقات نفط وقوارب نقل بالإضافة لاعتقال عدد من العاملين هناك"، مشيرة إلى "أن مجموعة من المهربين قاوموا قوات التحالف في منطقة الطيانة قبل فرارهم إلى مناطق مجهولة". وكانت "قسد" قد اعتبرت الانسحاب الأميركي أمام الجيش التركي في أكتوبر الماضي في منطقة شرق نهر الفرات "طعنة من الخلف"، ما دفعها إلى المسارعة لنسج خيوط تفاهم مع الجانب الروسي يجنبها السيناريو الأسوأ. ولكن واشنطن عدلت من موقفها، وأبقت مئات الجنود لحماية حقول النفط التي تستثمرها "قسد". كما تحاول "قسد" الحصول على دعم سياسي أكبر من السعودية، فزار وفد من هذه القوات العاصمة السعودية أواخر الشهر الماضي. وكانت السعودية أعلنت، في أغسطس/آب 2018، عن تقديم 100 مليون دولار لصالح مناطق سيطرة "قسد" وذلك لـ "إعادة إحياء المجتمعات في مناطق مثل الرقة، ولتمويل إعمار الأحياء المدمرة والخدمات الصحية والزراعة والكهرباء والمياه والتعليم والمواصلات".

إلى ذلك، بدأت تطفو على سطح الأحداث في منطقة شرقي نهر الفرات، بعض نتائج التفاهمات الروسية التركية الأخيرة، فأفادت وكالة "سانا" التابعة للنظام، بأن وحدات من قوات الأخير دخلت صوامع عالية جنوب رأس العين في ريف الحسكة على أوتوستراد "أم 4". ونشرت الوكالة، يوم الأحد، صوراً لعناصر من قوات النظام بالقرب من الصوامع، مشيرة إلى أن صوامع عالية تمثل نقطة مهمة "والدخول إليها خطوة استراتيجية بالنسبة لتقدم الجيش لكونها تشرف على مساحات واسعة من الطريق الدولي". ولفتت الوكالة إلى أن "قوات النظام بصدد استكمال عمليات التقدم باتجاه القرى والمناطق الواقعة على الطريق الدولي، وفتح مجموعة من الطرق الموازية للطريق الدولي عبر الدخول إلى قرى الكوزلية وتل اللبن وأم الخير وصولاً إلى منطقة الصوامع".

كما أشارت "سانا" إلى أن وحدات من قوات النظام "عززت وجودها في محيط الصوامع وثبتت مجموعة من النقاط المتقدمة كما ثبتت نقاطا في قرية السويسة جنوب غرب وشرق الصوامع وفي قرية أنجودية غربها". ولكن مصادر محلية قالت لـ "العربي الجديد" إنه "إلى الآن يتركز الجيش الوطني السوري والقوات التركية على حاجز الصوامع، ولا توجد أي قوات روسية خارج بناء الصوامع". وأوضحت "أن الجيش الوطني التابع للمعارضة السورية يسيطر على مخفر المرور شمال الطريق الدولي، أي أنه يبتعد نحو 100 متر فقط عن الطريق الدولي وعلى القرى الواقعة شمال الطريق والتي يبعد معظمها أقل من كيلومتر عن الطريق". وأشارت إلى أن قوات النظام انتشرت جنوب الطريق الدولي، على مسافات متفاوتة أقلها كيلومتر واحد، مع وجود عناصر من قوات "قسد" في بعض القرى البعيدة عن الطريق الدولي.