"قانون الاٍرهاب" التونسي: إجماع رغم المخاوف على الديمقراطية

26 يوليو 2015
رئيس مجلس النواب محمد الناصر بعد اقرار القانون (الأناضول)
+ الخط -
نجح مجلس نواب الشعب التونسي، فجر يوم الجمعة، في المصادقة على قانون "مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال"، بعد جدل استمرّ قرابة السنتين وسط سلسلة من الإخفاقات المتتالية، بغية التوصل إلى صيغة توافقية تُتيح إصدار القانون، خصوصاً من طرف الأمنيين الذين كانوا يطالبون بغطاءٍ قانوني يحميهم في عملهم اليومي أثناء ملاحقة المعتدين.

وعجّلت أحداث سوسة، الشهر الماضي، التي سقط ضحيتها عشرات السياح الأجانب، من إصدار القانون بعد الإحراج السياسي الذي أحسّت به النخبة السياسية التونسية، وبعد الضغط الحاصل نتيجة تحديد رئيس مجلس نواب الشعب، محمد الناصر، يوم 25 يوليو/ تموز موعداً نهائياً للمصادقة على القانون. وهو الموعد الذي يتزامن مع عيد الجمهورية، ومع حادثة اغتيال نائب المجلس التأسيسي محمد البراهمي منذ سنتين.

وشهدت المصادقة على القانون إجماعاً سياسياً مطلقاً، وصوّت لصالحه 174 نائباً، وامتنع عشرة آخرون عن التصويت، ولم يعارضه أحد. ويعني هذا أن كامل الطيف السياسي في تونس بارك القانون، ووافق على كامل فصوله، ولئن عكس هذا الأمر نجاحاً توافقياً جديداً حول قانون شهد تجاذبات سياسية كبيرة على مدى سنتين، فإنه يؤشر أيضاً إلى شعور بالحاجة لهذا القانون، من أجل مقاومة "الظاهرة الإرهابية" المتصاعدة في تونس. كما يعكس في الوقت عينه رغبة في عدم تحمّل مسؤولية سياسية، بتأخير المصادقة على قانون يظنّ الكثير من التونسيين أنه قد يساعد في الحدّ من أكبر إزعاجاتهم، وفق كل عمليات سبر الآراء. وتضمّ قائمة الممتنعين عن التصويت نواباً عن أحزاب "صوت الفلاحين" و"التيار الديمقراطي" و"المؤتمر من أجل الجمهورية" (حزب الرئيس السابق منصف المرزوقي).

غير أن كثيرين يتساءلون اليوم عن جدوى وفاعلية القانون في التصدي للإرهاب، وما إذا كان يكفي قانون وحده للدفاع عن التجربة الديمقراطية التونسية، في ظلّ بقاء الأسباب الرئيسية لتنامي الظاهرة في أوساط الشباب التونسي، أي الفقر والتراجع الثقافي والديني والإحساس بفقدان الأمل. ما وضع تونس في أولى مراتب الدول المصدّرة للمقاتلين في بؤر التوتر في العالم، بعد تداول أرقام عن وجود ما بين أربعة إلى خمسة آلاف مقاتل تونسي في سورية والعراق وليبيا.

اقرأ أيضاً الجمهورية التونسية في عيدها: تحدّيات ومصاعب

وعلى الرغم من الإجماع الحاصل في المصادقة على القانون، فإن التباين كان سيد الموقف أثناء المداولات، إذ شهدت أيام المناقشات الثلاثة سجالات ومزايدات سياسية كبيرة، حول نقاط جوهرية عديدة تضمنها القانون، أهمها عقوبة الإعدام والتضييق على الصحافيين ومناقشة بعض فصول باب "منع غسيل الأموال".

غير أن حتمية البحث عن توافقات، جعلت مختلف الحساسيات السياسية تتنازل عن بعض المبادئ الأساسية في توجّهاتها الفكرية للتقدم في صياغة القانون. كما شهدت مسألة "عقوبة الإعدام"، المُشار إليها في باب العقوبات، جدلاً كبيراً انتهى بإقرارها، على رغم المعارضة الحقوقية الواسعة.

وتنصّ العقوبة على أنه "يُعدّ مرتكباً لجريمة إرهابية ويُعاقب بالإعدام، كل من يتعمّد قتل شخص يتمتع بحماية دولية، ويُعدم كل من قبض على شخص أو أوقفه أو سجنه أو حجزه من دون إذن قانوني، وكل من هدّد بقتل شخص أو إيذائه أو استمرار احتجازه من أجل إكراه طرف ثالث". كما يُحكم بالإعدام على كل "مرتكب اعتداء بفعل الفاحشة تسبّب في موت المُعتدى عليه"، كما يُعاقب بالإعدام كل "من يتعمّد في سياق جريمة إرهابية، الاعتداء على أنثى".

وتعارض منظمات حقوقية تونسية ودولية كثيرة إقرار حكم "الإعدام" في هذا القانون، ومن بينها منظمتا "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، التي دعت أكثر من مرة إلى إلغاء عقوبة الإعدام في تونس. غير أن الرغبة في إصدار قانون قوي ورادع، دفع النواب إلى إقرار العقوبة، بالإضافة إلى البحث في كيفية إثناء الشباب والمهرّبين عن الانخراط في بعض الأعمال المساندة للمجموعات الإرهابية، لقطع الطريق أمام إنشاء حاضنات شعبية للإرهاب، خصوصاً مع تنامي مشاركة بعض النساء والشباب والمراهقين في الاستعلام والمساندة للإرهابيين.

في المقابل، حقق الصحافيون التونسيون مكسباً جديداً، بفرض استثنائهم من إفشاء السر المهني، إلى جانب المحامين والأطباء، في الفصل 35 من القانون، بعد أن كانت الصيغة الأولى تقتصر فقط على المحامين والأطباء.
وشهد يوم الجمعة سلسلة احتجاجات وعُقدت اجتماعات متلاحقة لنقابة الصحافيين مع رئيس مجلس النواب ومختلف الكتل، بغية تعديل الفصل، وهو ما تم إقراره في نهاية الأمر.

ويحتجّ عدد من المنظمات المهنية والحقوقية التونسية على عدم إشراكه في جلسات الاستماع الأولى التي نظمتها لجنة التشريع العام، والاكتفاء بتقديم تعديلات واقتراحات مكتوبة، لا تكفي وحدها في إقناع النواب بجدواها.
واستغربت "جمعية القضاة"، في بيانٍ لها الجمعة، عدم "إشراك الهياكل الممثلة للقضاء في إبداء الرأي في مشروع قانون مكافحة الإرهاب، واقتصارها فقط على الجهات الرسمية والحكومية، من دون مكوّنات المجتمع المدني ذات الصلة، ومنها الهياكل الممثلة للقضاة، ما أعاق القيام بنقاشات معمّقة حول هذا القانون".

وسجّلت الجمعية سلبياً طلب الرأي الاستشاري لهيئة القضاء العدلي، بخصوص القانون، وعدّته "متأخراً جداً"، بعد انطلاق مناقشته بالجلسة العامة، على رغم ارتباطه المباشر بالمعايير الدولية والدستورية لاستقلال القضاء والتجارب المُقَارَنَة وشروط المحاكمة العادلة وحماية الحقوق والحريات.

ولاحظ المكتب التنفيذي لـ"جمعية القضاة"، أن "إشكالات أساسية ظلّت قائمة في مشروع القانون رغم التطور الحاصل فيه، من خلال تقنين وسائل التحري الخاصة، وإقرار مساعدة ضحايا الإرهاب، وإحداث لجنة وطنية لمكافحته".

وعبّر المكتب التنفيذي أيضاً عن قلقه إزاء "حملات التشويه الإعلامية التي طالت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان العاملة بتونس، لقيامها بقراءة نقدية وتحليلية لمشروع القانون في نطاق المساعدة في العمل التشريعي والتأسيسي طبق مقتضيات الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان". وطالب بـ"الكفّ عن هذه الحملات والقطع مع الأساليب التي ارتبطت بالعهد السابق، في قمع دور المجتمع المدني من خلال عمله النقدي والتشاركي في تركيز مقومات دولة القانون والمؤسسات".

وبعد طيّ صفحة "قانون الاٍرهاب"، الذي يبقى خاضعاً ككل القوانين للطعن فيه، أو في بعض فصوله، لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، يستعدّ التونسيون لـ"المؤتمر الوطني لمقاومة الاٍرهاب" المقرر عقده في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، المفترض أن يكون استفتاءً حقيقياً حول الإجماع السياسي الحاصل على القانون.

اقرأ أيضاً: البرلمان التونسي يصادق على قانون "مكافحة الإرهاب" بالأغلبية

المساهمون