انطلاقًا من عنوانٍ يختزل مفهومًا متكاملاً لصناعة الأفلام، يُقدِّم الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس كتابه الجديد "السينما والمجتمع في الوطن العربي: القاموس النقدي للمخرجين" ("مركز دراسات الوحدة العربية" في بيروت، الطبعة الأولى، 2018)، بعد 3 أعوام على إصداره جزءًا أول من ثلاثية "السينما والمجتمع"، يتعلّق بالأفلام.
العنوان المقصود مستلّ من قولٍ للسينمائي الأميركي فرانك كابرا، الذي عنون مذكّراته بـ"الاسم فوق العنوان". هذا كافٍ لإبراهيم العريس كي يسعى إلى نقل المفهوم إلى صناعة السينما العربية، المهتمة تاريخيًا بنجوم التمثيل. فالعريس يرغب في التأكيد على الموقع الطبيعي والحقيقي والإبداعي للمخرج في صناعة الفيلم، كما هو حاصلٌ في أميركا في سبعينيات القرن الـ20، مع ولادة "هوليوود الجديدة"، المتمكّنة من انتزاع السلطة من أيدي منتجي الاستديوهات الكبيرة، ووضعها في أيدي المخرجين.
يكتب العريس: "المخرجون هم، في نهاية الأمر، النجوم الحقيقيون للأفلام" (ص. 11)، مشيرًا إلى أن المسألة لن تبقى أسيرة الاستديوهات والمنتجين والعاملين في صناعة السينما والمهرجانات الأساسية، بل إنها (وهذا مهمّ) ستكون مرتبطة ـ إلى جانب هؤلاء ـ بالجمهور أيضًا: "الجمهور نفسه، إذْ يُشاهد الأفلام ويتحدّث عنها، بدأ منذ سنوات طويلة يتعلّم كيف يذكرها منسوبة إلى أصحابها من المخرجين المبدعين" (ص. 11). بالتالي، فإن العريس متنبّه إلى أن تاريخ السينما المصرية، مثلاً، هو ـ في الوقت نفسه ـ "تاريخ المخرجين". فهو يعود إلى ماضي تلك السينما، قائلاً إنه منذ استدعاء أميرة عزيز لوداد عرفي كي يُخرج "ليلى" (1927)، المعروف بكونه أول فيلم مصري، ثم الاختلاف معه حول رؤيتهما للفيلم، وصولاً إلى المساندة التي قدّمتها نجلاء فتحي إلى محمد خان ("سوبرماركت"، 1990)، وليلى علوي إلى رأفت الميهي ("قليل من الحب كثير من العنف"، 1995)، "عرفت السينما المصرية مكانة المخرج وأهميته" (ص. 17).
إذًا، يُلخِّص "القاموس النقدي للمخرجين" تجارب واختبارات شتّى، تختلف باختلاف الأزمنة والحالات العامة وتطوّرات الحركة السينمائية في دول عربية مشهودٌ لها بصناعة الفن السابع، أو بمحاولات جدّية لتأسيس صناعة كهذه. والتلخيص قراءة في سِيَر المختارين في الكتاب (174 مخرجة ومخرجًا ينتمون إلى مراحل تاريخية وأساليب اشتغال وآليات عمل وأنماط تفكير وهواجس مختلفة ومتنوّعة)، وهي سِيَر مفتوحة على النتاج السينمائي أكثر مما هي معنيّة بالحياة اليومية والخصوصيات. فالسينما، وبعض نتاجاتها منبثقٌ من هذه الحياة اليومية أو من تلك الخصوصيات، تبقى الأهمّ في بحثٍ يُراد له أن يعكس الثراء الإبداعي في السينما العربية، الذي صنعه هؤلاء.
وبعض هؤلاء مهموم بنتاج وثائقي بحت (السوري عمر أميرالاي)، علمًا أن سينمائيين وثائقيين عديدين، لهم في الوثائقي نتاجات مثيرة للانتباه والنقاش، غير مذكورين (اللبناني محمد سويد).
هذا ليس تقصيرًا، بقدر ما إن المساحة غير مهيّأة لذكر الجميع. تجربة إبراهيم العريس بحدّ ذاتها مطلوبة وضرورية، كما أنها محتاجة إلى جهود جماعية أو مؤسساتية. رغم هذا، يتمكّن الناقد اللبناني من وضع صُوَر مكثّفة عن سينمائيات وسينمائيين عرب يُشكّلون مفاتيح أساسية لصناعة تزداد أهمية وجماليات وحضورًا في دولها وفي العالم، وإنْ بأشكالٍ مختلفة.