في ظلّ التناغم التام بين الشخصيّتين الصاعدتين حديثًا إلى أروقة الحكم؛ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ووليّ العهد الجديد في السعوديّة، محمد بن سلمان، على اعتبار أن العداء الصارم الذي يحمله الأمير الشاب حيال إيران، وسياسته الغليظة تجاه قطر، يتسقان مع موقف ترامب العدواني والصاعد في واشنطن إزاء إيران؛ لا يبدو أن رهان السعوديّة على ترامب سيحقّق لها النتائج المرجوّة، ويفتح لها أبواب السيادة الإقليمية أمام خصمها اللدود، إيران؛ بل على العكس تمامًا.
ذلك ما يخلص إليه المحلّل السياسي في صحيفة "فورين بوليسي"، روس هاريسون، في مقال له أمس الخميس، قائلًا إن ترامب حينما "وضع إبهامه" على محكّ الخلافات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وعزّز في الوقت نفسه الرواية القائلة إنّ إيران هي مصدر عدم الاستقرار الرئيسي في الشرق الأوسط؛ فإنه ربّما يكون قد سلّم طهران "كنزًا" إستراتيجيًّا، مثلما فعل الرئيس الأسبق، جورج بوش، عبر غزو العراق؛ البلدِ الذي كان، في أسوأ الظروف أو أفضلها، بمثابة عثرة أمام القوة الإيرانيّة المتمدّدة منذ الثورة.
ويرجّح الكاتب أن السعوديين سيخطئون في التقدير لو وثقوا في دعم ترامب لسياساتهم الإقليمية، فبمعزل عما تفعله الولايات المتحدة، فإن زيادة النقد اللاذع تجاه إيران بالتزامن مع فرض حصار على قطر، زميلة السعودية في مجلس التعاون الخليجي، ستؤدّي على الأغلب إلى إضعاف الموقف السعودي، وما تبقّى من النظام العربي المتفكك أصلًا. وعلى المقلب الآخر، فمن المرجّح، بحسب الكاتب، أن تؤدي تلك الإجراءات إلى تقوية قبضة طهران، بدلًا من إضعافها.
وفي إجابته على سؤال كيف يمكن أن تقوّض السعودية موقفها الإقليمي عبر تصعيد الصراع مع إيران، والعمل على إخضاع قطر؛ يرى هاريسون أن المملكة بينما تستمدّ العديد من المزايا العسكريّة إزاء إيران عبر علاقتها مع الولايات المتّحدة، فإن القوّة السياسية لها تنبع من موقفها القوي في محيطها العربي، وهذا ما لا يتوفّر حاليًّا في ظلّ نظام عربيّ متداعٍ، ما زال يتآكل بفعل الحروب والصراعات الممتدة من العراق إلى ليبيا وسورية واليمن.
ويضيف الكاتب أنّه بينما تمثّل إيران تهديدًا للمصالح السعوديّة، فإن ضعف موقف السعودية العربي، الناجم عن آثار الربيع العربي والحروب الأهلية، هو ما يشكّل التحدي الأكبر للرياض، والفرصة الأكبر لطهران في الوقت نفسه، على اعتبار أن تصعيد العداوة حيال طهران يمكن أن يؤدّي إلى إطالة أمد تلك الحروب، مما يعني تعريض السعودية لمزيد من الضعف في العالم العربي، ومن ثمّ إلى مزيد من الضعف أمام إيران. ذلك أنه كلما طال أمد المعارك بالوكالة بين السعودية وإيران في الحروب الأهلية الدائرة في المنطقة؛ ازداد خطر اندلاع الحروب الأهلية في بلدان عربيّة أخرى، مثل الأردن ولبنان؛ ومن ثمّ يزداد احتمال انقسام العالم العربي، وعلى هذا النحو تراكِم إيران مكاسبها في لعبة السلطة الإقليمية.
وفي ظلّ الحديث عن مناطق آمنة في سورية قد تدفع بعض التنظيمات السنية المقاتلة هناك إلى مناطق أخرى في الإقليم، يعتقد الكاتب أن السعودية من المحتمل أن تضاعف الأخطار المرتدّة إليها عبر استخدام الانقسام الخطير داخل المجتمع العربي السني كنقطة مفصليّة في علاقاتها مع قطر. ففي حين تعتبر السعودية جماعة "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية؛ تبقي قطر طريقًا مفتوحًا لتلك الجماعة التي يقارب عمرها قرنًا من الزمان، ولها جذور عميقة في العديد من البلدان العربية.
ويتابع الكاتب أنه بينما يمكن للمرء أن يناقش الدوافع وراء أعمال قطر، فإن الخلط بين "الإخوان المسلمين" وبين التهديدات التي تمثّلها جماعات جهادية مثل "داعش" و"القاعدة" قد ينزع الشرعية بشكل متهور عن المساحة الوسطيّة داخل الطيف الأيديولوجي السني، وهو الأمر الذي قد ينفجر في وجه الرياض. ويمضي هاريسون إلى القول إنه من خلال دفع السعودية، إلى جانب الإمارات، "الإخوان المسلمين" خارج النقاش السني، فإنها قد تخلق مساحة للمنظمات الأكثر تطرّفًا، وهي ستكون، على الأغلب، تلك التي تملك جذورًا عميقة في سورية، مثل "القاعدة" (جبهة تحرير الشام)، التي يمكن أن تشكّل تهديدًا حقيقيًّا للسعودية، وللعالم العربي عمومًا.
عطفًا على ذلك، يصف الكاتب الشرق الأوسط اليوم بأنه نظام إقليمي رازح تحت ضغط خطير، مع عدد قليل من صمامات الأمان لتخفيف حدّة الصراع. وفي هذا السياق تحديدًا، يرى الكاتب أن قطر، فضلًا عن عمان والكويت، قد تكون بمثابة من يوفّر إزاء هذا الضغط بعض عناصر التخفيف والتعافي؛ فمن خلال بناء جسور مع جماعة "الإخوان المسلمين" وإيران، قد تخلق قطر مسارات للحوار وحلّ النزاعات داخل وخارج العالم العربي على السواء، كما يستنتج الكاتب.
ويمضي معدّ التقرير قائلًا إنه في الوقت الذي يشعر فيه السعوديون بالغموض في موقف قطر؛ فإن ذلك الغموض تحديدًا هو ما يخدم غرض عدم وضوح خطوط الصراع، وهو ما قد يخلق مسارات محتملة لتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران. الاستهداف السعودي لقطر، تبعًا لذلك، قد يهدّد قيمة "تخفيف الضغوط" التي يتضمّنها غموض قطر الإستراتيجي. وإلى جانب ذلك، فإن استهداف قطر من المحتمل أن يقسّم العالم العربي بين البحرين ومصر والسعودية والإمارات من جهة؛ والكويت وعمان وقطر من جهة ثانية، وتقسيمها إلى مخيّمات، كما يقول الكاتب، سيضعف الموقف السعودي أخيرًا.
(العربي الجديد)