"فري نمّول": مغامرة بمفردات مسرح المطبخ

20 اغسطس 2015
مشهد من المسرحية
+ الخط -

نشهد في مسرحية "فري نمّول" (إنتاج "ميتوس")، عملاً ثنائياً على أكثر من صعيد. فعلى الخشبة نجد ممثّلَين: مروان صلعاوي ووليد الزين، وهما أيضاً كاتبا النص ومُخرجا العمل. يخلق الثنائي من مفرادات قليلة تتمثّل في طاولة ومجموعة من الأواني، فضاءً تتحرّك داخله قصّة نمّول في سبيل استرجاع حرّيته.

ينتمي العمل إلى "مسرح المطبخ"، وهو أحد الفروع الحديثة من "مسرح الأشياء"؛ حيث تتحوّل أغراض مألوفة إلى أدوات تعبير مسرحية. في "فري نمّول" تتشكّل الشخصيات من عمل تركيبي متواصل، يجري على أواني المطبخ.

في حديث إلى "العربي الجديد"، يؤكد المخرجان: "المسرحية عبارة عن عمل مخبري، انطلقنا فيه من موروث الحكايات الشعبية التونسية وأخذنا منه أسلوب الشَّرْطية ضمن رحلة، ما يتواتر في هيكلة الكثير من الخرافات، لنكتب قصة نمّول".

تحكي المسرحية قصة سقوط النملة "نمّول" في قِدر نتيجة حبّه للأكل. تبحث أمه عن وسيلة لإنقاذه وتتوسّل من القِدر أن يُفرج عنه، لتبدأ سلسلة من الشروط التي ينبغي على النملة الأم تلبيتها كي تسترجع ابنها، وتحيل هذه الشروط إلى مجموعة من المغامرات المتفرّقة والمشوّقة والمواقف الطريفة.

تتقاطع المسرحية في مشاهد منها مع واقع تونسي شهد فضاؤه العمومي الكثير من التظاهرات والاحتجاجات والمطالبات بالحقوق والحريات في الفترة الأخيرة. يقول الزين "صحيح أن العمل كُتب في إطار مسرح الطفل، علماً أن اختصاصنا الأكاديمي هو مسرح الناشئة، لكننا لا نريد تغييب الواقع من أمام الطفل".

يضيف شريكه في العمل "المسرح يمكنه أن يلعب دوراً في التنشئة السياسية السليمة للطفل، وقد غامرنا بذلك. لكننا نجد تجاوباً من الجمهور بكل شرائحه وأعماره".

يعتبر صلعاوي أن "التسمية الأصح لمسرح الطفل هي المسرح العائلي؛ فالخطاب الموجّه إلى الطفل أثناء العرض، يمكن أن يدفع الكبار إلى التفكير، من خلال الأسئلة التي يأخذها الطفل إلى أبويه. وكذلك، فإن القيم التي نصبو لغرسها في الطفل عبر المسرحية، مثل الحق في اللعب والتنقل وأهمية الاتحاد والتضحية، هي قيم ندعو أن يتحلّى بها الكبار أيضاً".

هل يمكن لمسرح المطبخ أن يخدم هذه المضامين؟ يجيب صلعاوي "إن هذا النوع يفتح على كل القضايا. وفي العمل، اشتغلنا على فكرة اللعب لدى الطفل، واللعب يتضمّن عملية البناء والهدم ثم إعادة البناء، وهذا ما نجسّده في المسرحية، بتنسيق خاص للأغراض التي نستعملها، وهي جميعها من المطبخ التونسي التقليدي، أي إنها في معظمها أشكال مألوفة لدى الطفل، كما أننا حاولنا أن نفتح بها على آفاق عجائبية".


من ناحيته، يشير الزين إلى أن "هذه التجربة في مسرح المطبخ هي الأولى من نوعها في تونس، رغم أن هذا المسرح ظهر منذ سنوات في أوروبا، لكننا نحاول أن نفكر تونسياً من خلال أدواته، لا استنساخ تجربة جاهزة".

يعتمد العمل فرجوياً بالأساس على حركية الممثّلَين فوق الخشبة، مع توظيف فن الإماءة والتلاعب بالظل واستعمال الأصابع. ومن جهة أخرى، تم الاشتغال على الإضاءة، ضمن لعبة دخول وخروج الممثّلَين وتبادل الأدوار بينهما.

يعرف مسرح المطبخ في السنوات الأخيرة التفاتة من قبل المسرحيّين في العالم، وقد أثبت في مناسبات عديدة قدرته على استيعاب النصوص المسرحية مهما كانت، إذ تُمثَّل اليوم كلاسيكياتٌ بأدوات المطبخ. ولعلّ أبرز مؤشّرات صعوده هو تأسيس كل من كريستيان كارينيون وكاتي دوفيل فرقة في فرنسا تحمل اسمه، وهي، علاوة على تقديم المسرحيات، تسعى إلى التفكير من خلال إمكانيات هذا الشكل المسرحي وتدريب المسرحيين على تقنياته. وتظل فكرته الأساسية هي أننا قادرون على التعبير والتفكير من خلال أبسط الأشياء من حولنا واستخراج جماليات عالية منها.

دلالات
المساهمون