"فركوس" وتوزيع صكوك الغفران

28 مارس 2018
+ الخط -
يستمر توزيع صكوك الغفران من بعض من قرروا أن ينصبوا أنفسهم قضاة الله في الأرض، الذين ألغوا كلمة الاختلاف من قاموسهم، فقرروا أن يكفّروا ويهاجموا كل مختلف معهم، لا لشيء إلا لمزيد من المزايدة واستشعار الأفضلية وإشعار الخلق بها وإثبات دعوى النقاء المطلق والثبات المذهل الذي يميزهم عن الآخرين، الذين هم دوما في نظرهم كفرة وزنادقة، وإن رأفوا بهم فهم ضالون وفاسقون، معتقدين أن الإسلام ملك لهم وحكر لجماعتهم!

الفتوى التي أصدرها محمد علي فركوس زعيم السلفية في الجزائر، عبر موقعه على الإنترنت، في كلمته الشهيرة رقم (125) تحت عنوان: "تسليط الأضواء على أن مذهب أهل السنة والجماعة لا ينتسب إليه أهل الأهواء"، والتي أثارت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن غريبة، فالرجل لم يأتِ بالجديد، فهو أحد أبناء التيار السلفي، والمتابع والمطلع على هذا التيار يعلم أن السمة الغالبة لأصحاب الفكر السلفي هي التكفير والتجريح.. فإخراج الناس من الدين مهنتهم، يكفي أنهم كفروا معظم مشايخ الإسلام.. فكيف لا يُكفرون عوامها..

أصحاب الفكر السلفي لم يقدموا للإسلام سوى كتب التجريح والتكفير. ومحاضراتهم على يوتيوب لا تكاد تخلو محاضرة منها من توزيع شهادات الزندقة والتكفير على هذا وذاك..


هم يظنون أن لهم كل الحق في تصنيف المسلمين ضمن درجات هم من وضعوها.. يعتقدون أنهم قضاة هذه الأرض وأنهم هم الوحيدون المخول لهم الحديث باسم الإسلام، وأن لهم كل الحق في طرد من يشاؤون من دين الإسلام، وكأن الدين ملكهم..

يكررون جملة "لحوم العلماء مسمومة".. وهم لم يتركوا رجل دين مسلماً لا ينتمي لتيارهم حيا أو ميتا.. ولم يجرحوه أو يكفروه..

ولنا في مشايخ السلفية في مصر في الوقت الحاضر عبرة ومثال، فقد جرحوا وأحيانا كفروا الإخوان المسلمين جميعا ودعوا إلى قتلهم وحرضوا على ذلك، رغم اختلافنا مع الإخوان إلا أننا نرفض تماما مبدأ التكفير أو التحريض ضد أي تيار..

التيار السلفي يصر على قراءاته المغلوطة للدين والمجتمع والدولة، من أنتم حتى تصنفوا العباد؟ ومن أعطاكم الحق قي تقرير مصير البشر؟.. ومن قال لكم إنكم قضاة الله في هذه الأرض؟! انشغلوا بأنفسكم وما تؤمنون به.. ودعوا الآخرين وما يؤمنون به..

الإسلام يتسع للجميع ويتسع لكل الاختلافات، وليس حكرا على طائفة ما، ولا يحق لأي كائن تكفير أي مسلم، أو توزيع صكوك الغفران وشهادات حسن السلوك على هذا وذاك، لأن الأولى بكل منا أن ينشغل بنفسه وإصلاحها..

مجتمعاتنا اليوم متعددة ومتباينة، لذلك فالإرادة العامة يجب أن تكون سليلة إرادة مشتركة بين المواطنين على اختلاف مللهم ونحلهم، فالدولة الحديثة تضمن حرية الاعتقاد للجميع من دون مصادرة حق أي مذهب ولا أي لغة ولا أي جنس أو أقلية.. وهي بذلك تضمن وحدتها وتمنع تفككها..