"فرضاً إنو"... مستوحاة من الواقع العربي الراهن؟

20 نوفمبر 2016
الثلاثي مارون- يمين- الجردي "فرضاً إنو" (فيسبوك)
+ الخط -
يتواصل عرض مسرحية "فرضاً إنو" عن قصة الكاتب والممثل السينمائي، آلان أركين، على مسرح "مونو" وسط بيروت. "فرضاً إنو" تجمع بين الممثلين اللبنانيين غبريال يمين وطلال الجردي، في قصة تقوم على الافتراض لرجل خمسيني هو غبريال يمين، يحاول السيطرة على طلال الجردي "راضي" لمدة ساعة. بدت المسرحيّة مشوقة، لا تخلو من بعض الإسقاطات السياسية التي تتناسب مع الوضع في العالم العربي. ملابسات مخيفة تبدأ من اللحظة الأولى لدخول "راضي" المسرح، وهو المُكلّف بعمل خاص، من قبل إحدى الشركات. 

يمين هو أمين مستودع للبضاعة، سيحاول بمساعدة "راضي" الكشف على هذه البضاعة المنتظر وصولها، والتأكد من سلامتها، لكن الحقيقة، تقود يمين إلى سلسلة من المواقف الغريبة تجاه الشاب القادم لتنفيذ هذا العمل، كما هو مطلوب منه. مشكلته الوحيدة، هي أنه نسي بطاقة هويته، ما فتح أمام الباب مسؤوله لمواجهته، وكأنه في عهدة وحدة مخابرات مركزية أقرب إلى تحقيق. ويقوم مسؤوله بالاستهزاء به إلى حد يصل لاستعمال الألفاظ النابية على المسرح. ويُسهّل بالتالي على المشاهد، تأقلمه مع صورة ونوعية هذه الأعمال المسرحية التي تبدو أحياناً معقدة.

اعتمد المخرج، جاك مارون، على ديكور بسيط، مستودع عفن، تظهر فيه مواسير المياه والكهرباء، وتنتشر فيه قواعد خشبية واضحة، وإضاءة بسيطة، أمام حركات الممثلين المندفعين بعصبية واضحة بحثاً عن انتصار أحدهما على الآخر. وذلك استكمالاً للسياق العام للسيناريو، المبني على تخبطٍ بين يمين والجردي، لجهة من يريد أن يكسب في النهاية، حال كل رئيس أو مسؤول، وأحوال بعض الموظفين.
إيقاع بطيء في الدقائق الأولى من المسرحية، ولو جاء اعتماد مارون على عنصر التشويق الأمني في طريقة تحقيق يمين مع "راضي" حول اسمه وعنوانه والاستفسار في السبب وراء نسيان "راضي" لبطاقته الشخصية. صورة مصغرة عن واقع عربي، نعيشه منذ سنوات، لكن مارون يعبر تلقائياً إلى العلاقة الجدلية بين الموظف الجديد والمسؤول عنه، في تحقيق ثان أشبه بعملية اختبار موجعة. يفقد "راضي" أعصابه ويصبح تائها لدقائق، لكنه لا يستطيع الخروج عن خياره الذي حمله إلى هذا المستودع المظلم. يحاول مراراً الخروج من دائرة وسيطرة هذا المجنون يمين، لكنه لا يلبث أن يعود، مُسلماً أمره.

يعلو الإيقاع الدراماتيكي وعناصر التشويق منتصف المسرحية، عندما يطلب المسؤول من "راضي" فتح الصناديق المفترض الكشف عنها والتأكد من سلامة ودقة الأشياء المستوردة ضمنها، لكن الصناديق لم تكن وصلت حقيقة. يُصر يمين على فرصية وجودها، ما يدفع الممثلان للقيام بمغامرة نفسية، تقوم على هواجس يعيشها "راضي"، وتتعلق بابنته الوحيدة. ويبدو خوفه واضحاً من التجنيد في المصيدة التي يحفرها هذا المسؤول المتسلط، دراما حزينة جداً، يعلوها الصراخ بين الحين والآخر، وكيفية التأقلم ولو مع حالة افتراضية نفسية، لا تقف عند حدود مسرحية، تحملنا مرات إلى نتائج غير محمودة العواقب. أسئلة كثيرة طرحها "راضي" على يمين، لكنه لم يجد لها إجابات شافية، سوى أن عليه فقط تنفيذ الأوامر العليا القادمة من "فوق"، يردد يمين كلمة "فوق" كثيراً، في الوقت الذي تحتوي الصناديق على أشياء هي بحسب ما شاهدناه، افتراضية، سلاح، وحقيبة إسعافات أولية، وخيم للنوم مرفقة بدليل استعمال، مؤلفة بالإنكليزية والعربية، فضلاً عن صندوق خاص بالأسلحة التي تخيف راضي. لكنه في النهاية يقوم بفتحها ووضعها جانباً، لتبدأ معركة من الاختزال بين الممثلين، كي يغلب أحدهما الآخر بعدما وضع العالم الافتراضي أمامهما مجموعة من القواعد التي لم تعد تحتمل تأجيل الانتصار، فكان لا بدّ من تصفية أحدهما للآخر.

مشهد بسيط، يحاول من خلاله "راضي" نهاية استمالة المسؤول، لكنه يقع في شرّ يمين الجديد الذي ينال منه فيقتله، ثم يقتل نفسه، ليخرج صوت وصول الشاحنة الحقيقية هذه المرة المطلوب توضيبها وتنتهي القصة.


دلالات
المساهمون