ولم تكد تمرّ أشهر قليلة على تجميد مفاعيل الاشتباك المتكرّر بين عناصر من حزب الله وأهالي منطقة السعديات، جنوبي بيروت، على خلفية افتتاح الحزب لحسينية هناك، حتى عادت نار الفتنة لتشتعل في بلدة سعدنايل البقاعية، مع اعتراض شبان المنطقة على ما وصفوه بـ"تجنيد إمام البلدة، الشيخ بلال الشحيمي، لشبان من سعدنايل للقتال في منطقة الزبداني السورية، ضمن صفوف سرايا المقاومة".
وقد تطور الأمر إلى اعتصام عدد من أنسباء الشحيمي وأبناء البلدة أمام المسجد، لمنعه من الإمامة فيه، طالبين الحصول على معلومات عن مصير عدد من شبان البلدة الذين نقلت صفحات سورية على مواقع التواصل، خبر مقتلهم في معارك الزبداني خلال قتالهم في صفوف حزب الله. وينتمي هؤلاء الشبان لعائلات بقاعية كبيرة، كالشحيمي والميس. ولتفادي حدّة الاعتصام، أطلق مرافقو الشيخ الشحيمي النار، وتواروا عن الأنظار ملتجئين إلى ثانوية البلدة القريبة من المسجد، إلى أن وصلت دورية من جهاز استخبارات الجيش اللبناني ورافقت الشحيمي إلى منزله.
وتلفت مصادر محلية في سعدنايل لـ"العربي الجديد"، إلى "اعتماد الشيخ شحيمي على سياسة الترغيب والترهيب في تجنيد أبناء أعمامه وشبان فلسطينيين مُقيمين في البلدة للانضمام إلى سرايا المقاومة"، مؤكّدة أنّه "يتم إغراء اللبنانيين بالحصول على رخص سلاح وزجاج عازل للرؤية (فوميه) صادرة عن وزارة الداخلية. في حين يتم اتهام الفلسطينيين بالانتماء إلى داعش، في حال رفضوا حمل السلاح إلى جانب حزب الله". وعلمت "العربي الجديد" من مصادر دار الفتوى في البقاع أنه تمت إزاحة الشيخ بلال الشحيمي عن اﻹمامة والخطابة في مسجد سعدنايل. وسيخطب المفتي الشيخ خليل الميس، غداً الجمعة، في المسجد، في إطار تهدئة الأجواء.
اقرأ أيضاً: حرب إقفال "طرقات طائفيّة" في لبنان... وسقوط قتيل أوّل
يشار إلى أنّ المخيمات والتجمعات الفلسطينية المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، تشكّل بيئة مثمرة لعمل حزب الله الأمني. وتتفاوت المبالغ المالية التي يحصل عليها هؤلاء بين 300 و500 دولار أميركي شهرياً. وقد تلقى عدد من الشبان دورات عسكرية في منطقة جنتا الحدودية قبل تداول الأخبار عن انتقالهم منها إلى الزبداني للقتال هناك، بحسب المصادر ذاتها.
وتوضح المصادر المحلية أنّ "تجنيد الشيخ لشبان لبنانيين وفلسطينيين في سعدنايل، بدأ قبل الثورة السورية". وبحسب معلومات خاصة لـ"العربي الجديد"، فقد استعان حزب الله برئيس تيار "الفجر" في صيدا، القيادي العسكري السابق في "الجماعة الإسلامية"، (الجناح اللبناني للإخوان المسلمين)، عبد الله ترياقي، لتجنيد شبان سُنّة من البقاع الأوسط ضمن صفوف "السرايا". كما قام ترياقي بدور مهم، سابقاً، في التحقيقات حول الجهة المسؤولة عن تفجير عبوات ناسفة بدائية الصنع بمواكب حزب الله، التي تعبر البلدات البقاعية وصولاً إلى نقطة المصنع الحدودية نحو سورية، وذلك خلال العام 2013. وقد أدّت سلسلة التفجيرات المتنقلة إلى إصابة عدد من عناصر حزب الله بجروح، وتمّ توقيف عدد من السوريين، بتهمة تنفيذها.
وقد دفعت تحركات الأمنيين والعلماء المقرّبين من حزب الله في البقاع، الأهالي إلى سلسلة مناشدات لمفتي البقاع، الشيخ خليل الميس، ومفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان، للتدخل ووقف استخدام المساجد التابعة لدائرة الأوقاف في تجنيد عناصر "السرايا". كما قامت فعاليات المنطقة بدور أساسي في محاولة وقف الخلافات العائلية التي اندلعت نتيجة استمالة حزب الله لبعض شبان العائلات في صفوفه.
وتوسّعت دائرة عمل حزب الله الأمنية، لتشمل مناطق بقاعية أخرى، إذ بدأ التعاون بين عدد من الشبان في بلدة عرسال على حدود لبنان الشرقية مع سورية، مع الحزب، بحجة "منع تمدد الإرهاب التكفيري في المنطقة ورصد حركة الإرهابيين". وكانت البلدة التي تضمّ أكبر تجمع للاجئين السوريين في منطقة البقاع الشمالي، المحسوب على حزب الله، قد خضعت لحصار أمني وشعبي، بعد اتهامها بأنّها مصدر السيارات المفخخة التي استهدفت المناطق اللبنانية في الأعوام الماضية.
اقرأ أيضاً: قتلى لـ"حزب الله" على يد النظام السوريّ في الزبداني