"فتح" في عيدها الخمسين... بقيت الفكرة

11 يناير 2015

في مسيرة في غزة تحتفل بعيد فتح (31 ديسمبر/2014/Getty)

+ الخط -

ماذا تغيّر في حركة فتح؟ بل ماذا بقي منها بعد 50 عاما من انطلاقتها؟ يوم أن أطلقت الكفاح المسلح الفلسطيني في الأول من يناير/كانون الثاني 1965.
بدايةً، ينبغى الاعتراف بأنه لا توجد حركة في التاريخ لا تطرأ تعديلات على برامجها وأساليبها وأفكارها التي قد تخضع للتطوير، بعد اقترانها بالممارسة العملية. وفي المقابل، لا توجد حركة انقلبت على ماضيها، وتغيرت أساليبها وأفكارها من الشيء إلى ضده، في الوقت الذي استمرت فيه في استلهام تاريخها العريق وتمجيده، والذي هو، بحق، جزء أساسي من تاريخ الشعب الفلسطيني منذ الستينيات، والتغني بسيرة أبطالها ومعاركهم.
المتتبع لنشاطات حركة فتح، وتصريحات قادتها ونشاطات كوادرها، يفاجأ تماماً بهذه المفارقة الكبيرة، فثمة مجموعة تقف على رأس الهرم، ولا تنفك تدين العمل المسلح، والصواريخ العبثية، وتنتقد الانتفاضة التي جرت على شعبنا الكوارث، وتؤمن، عن قناعة راسخة، بأن لا سبيل لحل القضية الفلسطينية، إلا عبر التسوية السلمية والمفاوضات، طالت أم قصرت. وما عدا ذلك، فدونه الويل والثبور وعظائم الأمور. وفي الوقت نفسه، تحتفل قواعد الحركة يومياً بذكرى شهدائها، وتعيش حاضرها على تاريخها المجيد، وتعتمده أسلوبا للتعبئة والتحريض والتنظيم، بحيت يعتقد المرء أنه ما زال يعيش في حقبة السبعينيات والثمانينيات.
تاريخياً، تميزت فتح بأنها وضعت كل شعاراتها وأفكارها ومبادئها في سبيل هدف واحد، هو تحرير فلسطين. إذ فلسطين هي طريق الوحدة، وعلى دروبها تتحقق وحدة التنظيمات والأحزاب، بل وحتى الدول الساعية إلى التحرير. واللقاء هو فوق أرض المعركة، والوحدة وحدة البنادق الثورية، أما الأرض فللسواعد الثورية التي تحررها. وسعت فتح، عبر هذه الشعارات والأفكار، إلى إخراج القضية الفلسطينية من أتون النزاعات العربية والحزبية، ومن محاولات احتواء القضية، أو استغلالها من أي طرف عربي، في صراعاته الداخلية أو الخارجية.
وتاريخياً أيضاً، تميز التغيير في حركة فتح بالبطء الشديد، وباقتصاره على نخبة سياسية محددة. وحتى عندما يتم عرض أو إقرار هذا المتغير، أو ذاك، على المؤسسات الوطنية، فغالباً ما تكون الممارسة باتجاهه قد بدأت قبل وقت طويل من منحه الشرعية اللازمة، أو يكون قد جاء لتلبية شروط دولية.
اللافت، هنا، أن هذه المتغيرات، وحتى مرحلة أوسلو، لم تحظ بتعبئة فكرية مواكبة لها. إذ كان الهدف هو الحصول على قرار من المؤسسات الوطنية، يتيح للقيادة المضي في محاولتها الحصول على مقعد في قطار التسوية. أما في الميدان، فقد كان الواقع مختلفاً تماماً، إذ بقيت التعبئة والشعارات ضمن سياق المبادئ والأفكار والمنطلقات الأساسية. ولعل هذا يرجع إلى كم المعارك المتتالية التي خاضتها فتح والثورة الفلسطينية، ووعي القيادة، حينذاك، إلى ضرورة الاستمرار في امتلاك عناصر القوة، بل وزيادتها، شرطاً لازماً للدخول في أي عملية سياسية.
اليوم، وبعد 50 عاماً، تغيرت الصورة كلياً. أضحت محاولة امتلاك عناصر القوة، تعني في عرف العدو، أن الطرف الفلسطيني غير مؤهل للمشاركة في عملية التسوية التي لا قرار لها. وكان من شروط هذا التأهيل، بعد استشهاد ياسر عرفات، الموافقة على خطة دايتون، والتنسيق الأمني مع العدو، وإنهاء ما تبقى من الانتفاضة الثانية. وتجلى هذا الموقف في أثناء الحرب الإسرائيلية، أخيراً، على غزة. وتحول التمرد على موازين القوى السائدة، وهو المبرر الوحيد لقيام كل الثورات، إلى ضرورة الاعتراف بهذه الموازين والإقرار بها حقيقة أزلية غير قابلة للتغيير، والتحذير من الاقتراب من حدودها.
بعد 50 عاماً، من العبث أن تبحث عن فتح الأولى في صفوفها المتقدمة إلا من رحم ربي. هنالك انتهت مرحلة الثورة في أذهان كثيرين منهم. أما لدى الجيل الصاعد، ولدى القواعد الشعبية، ولدى الجمهور الفلسطيني، ما زالت فتح حركة الشعب الفلسطيني، فتح بقي منها أهم ما فيها، بقيت منها الفكرة، ومن الفكرة تولد الثورة.

 

 

34BA9C91-C50D-4ACE-9519-38F0E79A3443
معين الطاهر

كاتب وباحث فلسطيني، عضو سابق في المجلس الثوري لحركة فتح والمجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، ساهم في تأسيس الكتيبة الطلابية منتصف السبعينات، قائد للقوات اللبنانية الفلسطينية المشتركة في حرب 1978 منطقة بنت جبيل مارون الراس، وفي النبطية الشقيف 1982.