تستعد دول العالم لبدء تنفيذ قانون الامتثال الضريبي الاميركي "فاتكا" FATCA المثير للجدل، بعد إجبار الولايات المتحدة المصارف والمؤسسات العالمية على الكشف عن ودائع الاميركيين لديها ومزدوجي الجنسية، بغية فرض الضرائب الواجب تسديدها.
رافقت إشكاليات عديدة آلية عمل "فاتكا"، فقد تأخر موعد تنفيذه مرات عديدة نظراً لتشعبه، وعدم تمكن مصلحة الضرائب الاميركية من إنجاز كل المعاملات المتعلقة بآلية التطبيق، لكن الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، وسام فتوح، قال إنه تم اليوم وضع الرقم الضريبي السري الخاص بالمؤسسات المالية العالمية على أن تبدأ الوزارة بإعلام المؤسسات بأرقامهم مطلع الاسبوع المقبل.
وقال فتوح لـ"العربي الجديد": "أنهت مصلحة الضرائب في وزارة الخزانة الاميركية وضع الرقم الضريبي الدولي الخاص بكل مؤسسة مالية، وبمقتضاه تجري مخاطبة مصلحة الضرائب الاميركية، على أن تبدأ المصارف العالمية، مطلع شهر يوليو/ تموز من العام الحالي بتهيئة لوائح أسماء وبيانات المودعين الاميركيين لإرسالها الى وزارة الخزانة".
ملاحقة المتهربين
و"فاتكا" هو قانون تستهدف السلطات الاميركية من خلاله مكافحة ظاهرة التهرب الضريبي عن طريق ملاحقة المواطنين الأميركيين أو الأجانب الحاصلين على الجنسية الأميركية حتى لو كانوا مقيمين في الخارج، والتأكد من مدى التزامهم بسداد الضرائب.
ولتنفيذ هذه الملاحقة يفرض القانون الجديد على المصارف والمؤسسات المالية خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية، الافصاح عن بيانات ومعلومات الاميركان لديها حتى ولو كانوا يحملون الجنسية الأميركية المكتسبة من خلال اقامتهم بعض الوقت في الولايات المتحدة.
ومنذ اقرار السلطات الأميركية القانون شكت مصارف ومؤسسات مالية عالمية من تكلفة تطبيقه ونطاقه قائلة إنه في بعض الاحيان يتعارض مع القوانين المحلية التي تحمي المعلومات الخاصة بأصحاب الحسابات.
وللمساعدة على حل هذه المشاكل القانونية تعمل وزارة الخزانة على صياغة اتفاقات تمكن حكومات المصارف الاجنبية من التعامل كوسيط مؤتمن على المعلومات مع الوزارة.
وفي الوقت الذي تعطل فيه تطبيق القانون الأميركي عدة مرات، قال الأمين العام لاتحاد المصارف العربية لـ"العربي الجديد": إن البدء الفعلي بتطبيق قانون "فاتكا" في الشهر الثالث من العام 2015، حيث تتسلم وزارة الخزانة، كل المعلومات والبيانات الخاصة بالمودعين حول العالم، لتبدأ بمطالبتهم بدفع المستحقات المالية المستحقة، موضحاً ان آلية تنفيذ "فاتكا" تأخرت مراراً بسبب الارباك الحاصل في الادارة الاميركية.
وأبلغت وزارة الخزانة الأميركية السلطات ووحدات القطاع المصرفي العالمي عدة مرات بإرجاء العمل بقانون مكافحة التهرب الضريبي للأميركيين الذين لهم حسابات مصرفية في الخارج لإعطاء المصارف الأجنبية فرصة لتحديد كيفية تطبيق القانون.
ويطالب قانون "فاتكا" المصارف الأجنبية ومؤسسات أخرى بتقديم معلومات الى إدارة الضرائب الأميركية بشأن حسابات الأميركيين في الخارج التي تزيد قيمتها عن 50 ألف دولار، وهو ما اعتبره البعض بلطجة أميركية، خصوصاً أن هذه المطالبات تتعارض مع قوانين سرية حسابات المتعاملين مع المصارف.
وينص القانون الذي أقره الكونجرس في 2010 على أن المؤسسات المالية الأجنبية التي لا تلتزم يمكن تجميد نشاطها فعليا في أسواق رأس المال الأميركية.
وأشار فتوح الى انه تم الحديث عن بدء التنفيذ بداية العام 2014، ثم تأخر الى شهر يوليو/ تموز 2014، لكن حتى مع بداية شهر يوليو/ تموز 2014، لن يدخل حيز التنفيذ النهائي، بل ستبدأ المؤسسات المالية بعد تسلمها الرقم الضريبي السري، بتهيئة قوائم المودعين لديها وإرسالها الى وزارة الخزانة، وفي منتصف العام 2015، تبدأ السلطات الاميركية عملها بجباية الضرائب.
تعدد جهات التخاطب
بعد أربع سنوات من فرض الكونجرس الاميركي قانون "فاتكا"، ظهرت اتجاهات عديدة حول العالم تتعلق بكيفية التخاطب مع وزارة الخزانة الاميركية، حيث اتجهت بعض الدول الى تعيين جهات حكومية كالمصارف المركزية لإرسال البيانات الخاصة بالمودعين الاميركيين لوزارة الخزانة الأميركية.
واتجهت دول اخرى إلى ترك هامش التخاطب بين المؤسسات المالية والمصارف بشكل مستقل، فيما قررت دول أخرى إنشاء هيئات مالية مستقلة تكون مسؤولة لمخاطبة مصلحة الضرائب.
وتوصلت الولايات المتحدة الى اتفاقات للتقيد بقانون الفاتكا مع حكومات المانيا واسبانيا والنرويج وسويسرا وايسلندا والمكسيك والدانمرك والمملكة المتحدة وغيرها. ويجري التفاوض حالياً على اتفاقات مماثلة مع عشرات من الدول.
في هذا الاطار اعتبر وسام فتوح أن التعددية في وجود آليات التخاطب تعود الى الاتفاقيات التي تمت بين الدول ووزارة الخزانة الاميركية، حيث إن بعض الدول فضلت ترك المصارف والمؤسسات المالية بمفردها للقيام بهذه الخطوة بعيداً عن المصرف المركزي أو جهات حكومية مستقلة، خوفاً من تبعات حدوث عمليات إخفاء للمعلومات أو البيانات تعرّض القطاع المصرفي برمته للعقوبات، مشيراً الى تحمل المؤسسات الخاصة تبعات العقوبات بمفردها حيث تكون أشد وطأة من وضع النظام المصرفي برمته تحت مجهر عقوبات أميركية.
التهرب الضريبي
صدر قانون الامتثال الضريبي في العام 2010، بعد حدوث أزمة الرهن العقارية التي أصابت الاقتصاد الأميركي لسد الفراغ التشريعي لناحية جباية الضرائب، بعد تهرب الأميركيين في الخارج من تسديد الضرائب المستحقة عليهم لمصلحة وزارة الخزانة الأميركية.
وطبقاً لهذا القانون، طالبت الولايات المتحدة جميع المؤسسات المالية التي تعمل خارج الاراضي الأميركية بتسليمها بيانات خاصة برعاياها لمنعهم من التهرب الضريبي.
وبحسب فتوح "من المتوقع أن تصل قيمة الضرائب المستحقة على المودعين والمستثمرين ما يقارب 99 مليار دولار أميركي سنوياً، أي ما يوازي 4.2% من مجموع الضرائب التي تجنيها الحكومة الفيدرالية".
ولقي القانون الأميركي اعتراضات العديد من دول العالم لتصادمه مع القوانين المحلية ومنها قانون سرية الحسابات المصرفية.
وكان معهد التمويل الدولي، الذي يضم المصارف المركزية العالمية الكبرى، قد أبلغ الولايات المتحدة ووزراء مالية الدول الثماني الكبرى بصعوبة تطبيق قانون "فاتكا"، ووصفه بأنه يضع أعباء مالية غير مرغوب فيها على المصارف والمؤسسات المالية العالمية، وأنه لن يقضي على مشكلة التهرب الضريبي التي يعانيها الاقتصاد الأميركي.
تشريعات عابرة للحدود
فرض قانون "فاتكا" على المؤسسات المالية والمصارف العالمية والشركات التي يساهم فيها أشخاص يحملون الجنسية الأميركية أو green card تزويد مصلحة الضرائب الأميركية سنوياً بمعلومات عن المودعين.
وطالب قانون "فاتكا" دافعي الضرائب ممن لديهم ودائع مالية بقيمة تزيد عن 50 الف دولار تقديم تقرير يتضمن معلومات عن تلك الودائع ومصادر الدخل، والافصاح عن كل حساباتهم خارج الولايات المتحدة، وفي حال غياب الافصاح وعدم الاستجابة لمتطلبات مصلحة الضرائب، تفرض الولايات المتحدة الاميركية عقوبات على المصارف والشركات الاستثمارية غير المتعاونة تصل إلى خفض قيمة التحويلات الآتية اليها من الولايات المتحدة من الدولار، بنسبة تصل الى 30%.