"غيوم سيلْس ماريا".. امرأتان في الألب

27 نوفمبر 2014
+ الخط -

تتمثل الثيمة الأساسية في فيلم أوليفييه أساياس الأخير، "غيوم سيلْس ماريا"، في علاقة الممثل بدوره، أو، بالأحرى، في علاقته بالدور الذي يسم مساره الفني، وتأثير هذه العلاقة في رسم تجربته وحياته.

على هذا المتن، تنبني قصة الشريط الفرنسي، الذي يتتبع علاقة الممثلة ماريا (جولييت بينوش) مع الدور المسرحي الأول لها، الذي أمّن لها النجاح والشهرة، والذي استغلته لتهجر الخشبة وتنعم برفاهية الشاشة الكبيرة. لكن كل شيء يتغيّر مع زيارتها الأخيرة إلى بلدة سيلْس ماريا السويسرية، حيث منزل صديقها ومكتشفها وكاتب المسرحية التي قادتها إلى الشهرة، ويلهلم.

كان على ماريا، أثناء رحلتها، أن تتوقف في زوريخ لليلة واحدة؛ كي تنوب عن ويلهلم في استلام جائزة تكريمه. لكن تتفاجأ المرأة بنبأ وفاته وهي في الطريق. وبعد حفل التكريم، يعرض عليها أحد المخرجين أن تشارك في نسخة جديدة من المسرحية، ولكن بشخصية أخرى غير التي لعبتها قبل عشرين عاماً. الدور الأول عن سيغريد، الفتاة الشابة والغاوية، أما الثاني، الذي يعرض عليها الآن، فهو هيلينا، المرأة الأربعينية التي تغويها سيغريد وتدفعها إلى الانتحار.

ترفض ماريا، في البداية، العرض الجديد. فهي لا تتقبل فكرة تقدّمها في السن، وتخشى أن تخسر امتيازات دورها الأول الذي أظهرها كامرأة قوية، على العكس من دور هيلينا الذي يُظهر هشاشة شخصيتها وعمرها. لكنها، أخيراً، تقبل بالدور بعد تشجيع من مساعدتها فالنتين (كريستين ستيوارت). يتباطأ إيقاع الفيلم ظاهرياً عند هذه النقطة، إذ يجد المشاهد نفسه أمام امرأتين، ماريا وفالنتين، معزولتين في بيت ريفي في جبال الألب. تساعد الثانية الأولى على حفظ دورها، الأمر الذي يشوّش التفاصيل، بشكل مقصود، على المشاهد. فإن كان سهلاً تمييز الحوارات؛ سيكون من الصعب معرفة أي الانفعالات حقيقية وأيها مسرحية.

في مشاهد التدريبات بين الممثلة ومساعدتها يتداخل الفن بالحياة؛ فرفض ماريا لحقيقة تقدّمها في العمر يدفعها إلى التدخل في شخصيتها المسرحية والعمل على إخراجها من سلبيتها؛ واستسلام الشخصية لقدرها يؤثّر على الممثلة كي تتقبل واقع تقدمها في السنّ، وعدم تناسبها مع شخصيتها القديمة، سيغريد.

الإيقاع البطيء في الأحداث يخبئ خلفه التغييرات التي تطرأ على شخصيتي الامرأتين، وتحول مواقفهما تجاه بعضهما وتجاه العمل. العلاقة بينهما ظلّت عصيّة على المشاهد، وأيضاً على الشخصيتين ذاتهما، فيبدو واضحاً الارتباك، في بعض المشاهد، بين الاثنتين لأنهما لا تجدان تعريفاً محدّداً لعلاقتهما، أو حدوداً تشكّل إطاراً بالنسبة لهما.

وإن كانت ضبابية العلاقة عامل قوّة في الفيلم، فإنها سبب في ضعفه أيضاً. إذ يمكن القول إنه استحال على المخرج السيطرة تماماً على القصة، فرغبته في الالتفاف حول هذه العلاقة، جعله يستفيض في بعض المشاهد، ويضيف مشاهد أخرى كان يمكن الاستغناء عنها، وخاصة أنّها ساهمت في تشويش بوصلة العمل.

دلالات
المساهمون