"غريتا" لنيل جوردان: كلاسيكية عادية بأداء رائع

11 ابريل 2019
أداء إيزابيل أوبير يحرِّض على مشاهدة الفيلم (imdb)
+ الخط -
تعتبر إيزابيل أوبير (1963)، إحدى أهم الممثلات الفرنسيات في العقود الأخيرة. فلها مسيرة سينمائية حافلة في أوروبا، وقد تعاونت مع مخرجين مهمّين مثل كلود شابرول ومايكل هانيكي. وحتى يومنا هذا، تعتبر أكثر الممثلات المرشحات لجائزة "سيزار" العريقة، وقد فازت بها بالفعل مرتين في العامين 1996 و2017. كما أنها واحدة من 4 ممثلات فقط، فزن بجائزة أفضل ممثلة عن دور رئيسي، في "مهرجان كانّ" في العامين 1978 و2001. إلى جانب ترشيحها لجوائز كثيرة أخرى في فرنسا وخارجها.

انطلاقاً من كل ما سبق، فإنّ مشاركتها التمثيلية في فيلم إثارة أميركي، مثل "غريتا" (2018)، يُثير الاهتمام، خصوصًا أنّ مخرجه هو نيلْ جوردان، الذي قدّم أفلام إثارة عدة عرفت نجاحًا في تسعينيات القرن الفائت، وفاز بـ"أوسكار" أفضل سيناريو عن كتابته "اللعبة الباكية" (1992)، الذي أخرجه أيضًا، وهو عمله الأهمّ (The Crying Game). ورغم اتّجاهه إلى أفلام أكثر تجارية وأقل طموحًا، إلاّ أن تعاونه مع أوبير، ومشاركته راي رايت كتابة سيناريو "غريتا"، جعل عودته مُنتظَرة.

يبدأ الفيلم بتأسيس شخصية الفتاة الساذجة فرنسيس (كلوي غريس موريتز)، المنتقلة حديثًا إلى مانهاتن، والتي تعاني صعوبة تكيّف وتأقلم. في أحد الأيام، تعثر على حقيبة خضراء في الـ"مترو"، تحتوي على بطاقة تخصّ امرأة تدعى غريتا (أوبير)، فتتصل بها للقاء تُعطيها فيه الحقيبة. تدعوها غريتا إلى شرب القهوة معًا، وتبدآن التعارف إحداهما على الأخرى، وتُخبرها عن ابنتها، التي تعيش في باريس، وعن كونها امرأة فرنسية وحيدة في تلك المدينة الكبيرة. سريعًا، تتوطّد علاقتهما، قبل أن تكتشف فرنسيس صدفةً أن لغريتا حقائب خضراء عديدة، تتركها في الـ"مترو"، وأن لقاءهما ليس صدفةً بل خطة موضوعة سلفًا. حين تواجهها بهذا، وتطلب منها أن تخرج من حياتها، يحدث العكس تمامًا: تلاحقها غريتا وتراقبها في كلّ مكان، بشكل مرعب.

هناك نقطة مهمّة في السيناريو، وأسلوبه السينمائي، تكمن في كلاسيكيتهما الشديدة، بشكل يمكن النظر إليه بطريقة إيجابية، فتصاعد الأحداث منطقي، والمَشَاهد موتّرة، واستخدام الموسيقى وتفاصيل الأماكن فعّال، والفيلم مُسلٍّ، خاصّة مع توتّر النصف الثاني، الذي تدور غالبية أحداثه في منزل غريتا.

لكن هذه الكلاسيكية سلبية، في فيلم إثارة وغموض، لأنها تجعله متوقَّعًا. فالفيلم لا يفاجئ المُشاهِد أبدًا، الذي ينتبه، منذ ربع الساعة الأولى، إلى وجود أمرٍ غامض، وأن هناك علاقة بثنائية أمومة ـ بنوّة، وأن غريتا امرأة غير طبيعية. ورغم التنفيذ الجيّد للمَشَاهد (تصوير ممتاز لشايموس مكغارفي)، إلاّ أن الخطوة المقبلة في الأحداث مرئية تمامًا، إلى درجة تحيل مُشاهدها إلى أفلامٍ أخرى، كـ"بسايكو" (1960) لألفرد هيتشكوك، وMisery، الذي حقّقه روب راينر عام 1990. وربما لو أخرج جوردن هذا الفيلم في التسعينيات الفائتة بمعطياته نفسها، لاستُقبِل باحتفاءٍ وتقدير، ولفاجأ الجمهور أكثر. لكن، في هذه اللحظة، يبدو أقدم قليلاً، كفيلم إثارة.
رغم ذلك، فإنّ ما يدعِّم "غريتا"، علمًا أن أداء إيزابيل أوبير يحرِّض على مشاهدته، يكمن في البناء المبسَّط والواضح لشخصيتها، المعقّدة والمتداخلة، بالإضافة إلى الانتقال بين لحظات سعادة وهدوء، مقابل مَشَاهد جنونها وعنفها، وهذه مساحة شاسعة من الاختلاف المبهر في الأداء، وملامح الوجه، ونبرة الصوت. ومع أداء جيد أمامها لموريتز، بالبراءة غير المفتعلة التي تمنحها لفرنسيس، تكون مَشاهد الممثلتين رائعة، بشكل يتجاوز ـ أحيانًا كثيرة ـ عدم ابتكار الفيلم في أحداثه وبنائه، ويُحرِّض على التركيز على الطاقة والتحوّلات والتوتّر المزعج بين الشخصيتين.
المساهمون