"غبقة" و"قرقيعان" في رمضان الكويت

23 يونيو 2016
الحلويات زينة كلّ مائدة إفطار (فرانس برس)
+ الخط -
كثيرة هي العادات التي يحييها الكويتيون في شهر رمضان. ولا يتعلق الأمر بعبادات وصلوات فقط، بل يقترن أكثر بما يتخذ طابع الاحتفالات التي تمتد من الرجال إلى النساء والأطفال

شهر رمضان في الثقافة الكويتية مميز لا بسبب مكانته الدينية فحسب، بل الاجتماعية وما فيها من احتفالات. فالكويتيون يحوّلون كل ليلة من ليالي الشهر إلى مهرجان احتفالي وديني واجتماعي. ويكاد ليل العاصمة يتحول إلى نهار، مع حركة الناس الطارئة.

تحرص ربات المنزل على إعداد قوائم الشراء الخاصة بالشهر الفضيل، التي تتضمن أنواعاً من المأكولات والمشروبات لا تجدها في غير رمضان. وتحرص الجمعيات التعاونية ومراكز التسوق العامة على تقديم عروض وخصومات هي الكبرى في الخليج العربي بالنسبة للمواد الغذائية. وتستمر هذه العروض طوال أيام الشهر.

تتحدث أم أحمد، وهي ربة منزل لـ "العربي الجديد" عن العادات الرمضانية العصرية: "في شهر رمضان ينام الجميع خصوصاً المراهقين الذين ليس لديهم دراسة أو عمل حتى الظهيرة، ثم يقومون لمشاهدة المسلسلات إلى ما قبل الإفطار. بعدها يبدأ اليوم الحقيقي، حيث تبدأ عائلاتنا بالتزاور. وفي بعض الأيام تفطر العائلات لدى عائلات أخرى في جو عام من المحبة".

تشير أم أحمد إلى أنّها جدة جديدة: "رزقت بأول أحفادي قبل فترة قريبة. يزورنا ابني الذي يسكن خارج بيتنا في بعض الأيام ليفطر معنا هو وابنه وزوجته. ويأتي إلينا أقارب آخرون في الأيام الأخرى. قيمة رمضان بالنسبة إلينا ككويتيين لا تكتمل إلا بوجود العائلة".

من جهتها، تقول حصة وهي طالبة في جامعة الكويت لـ "العربي الجديد": "شهر رمضان يعني بالنسبة لي وبالنسبة لبقية الطلاب، الكفاح في حضور محاضرات الجامعة صباحاً والتعبد وزيارة الأهل والأقارب مساءً. استعددت لفعاليات الشهر عن طريق شراء الدراعة (زي كويتي أصيل كانت النساء ترتديه سابقاً في المناسبات العامة أما اليوم فأصبح دوره محصوراً في شهر رمضان وبقية المناسبات الدينية). نشتريها عادة من المشاغل التي تديرها غالباً نساء كويتيات. كما تقام المعارض الخاصة بهذا الزي قبل حلول رمضان بمدة طويلة".

تضيف حصة: "أذهب إلى صلاة التراويح مع شقيقاتي في المسجد المقابل لبيتنا بفترات متقطعة وليست دائمة لأننا ننشغل أحياناً بالتسوق من أجل العيد. لكن في العشر الأواخر نصلي كلّ يوم في مسجد الدولة الكبير".

من ناحيتها، تتولى الدولة تنظيم الفعاليات الدينية بشكل مكثف في شهر رمضان، فتلقى الدروس الدينية في المساجد بعد كلّ صلاة عصر، وتقام الحلقات العامة لتحفيظ القرآن والمسابقات الدينية الثقافية وسط رقابة شديدة من الحكومة خوفاً من تسلل المتطرفين إليها.


تتنوع موائد الإفطار في الكويت بتنوع حجم مدخول العائلات وعدد أفرادها، لكنّ أطباقاً رئيسية مثل "المجبوس" و"التشريب" تكون متواجدة على كل مائدة بيت كويتي، بالإضافة إلى أطباق الحلوى الشعبية مثل "اللقيمات" و"القطايف" و"القرص العقيلي".

تقام بعد صلاة التراويح حتى السحور حفلة جماعية تُسمى "الغبقة" حيث يجتمع الأصدقاء في أحد البيوت لتناول الحلويات والتواصل مع بعضهم البعض. وتعتبر "الغبقة" تقليداً خليجياً عريقاً كما يقول باحثون اجتماعيون وتاريخيون، جاء أصل كلمتها من الغبوق وهو الأكل آخر الليل. وتحرص الإدارات الحكومية والشركات الخاصة على إقامة "غبقة" سنوية في شهر رمضان لموظفيها أيضاً، حيث أصبحت هذه العادة بروتوكولاً في العلاقات العامة للشركات والمؤسسات.

أمس الأول الاثنين، وفي كلّ ليلة خامس عشر من رمضان، يخرج أطفال الكويت إلى الشوارع احتفالاً بالقرقيعان وهي عادة اجتماعية قديمة تطورت مع مرور الزمن في الكويت لتصبح كرنفالاً شعبياً مهماً تُؤلف من أجله الأغاني وتقوم عليه اقتصادات متعددة. يلبس الأطفال الزي الشعبي ويخرجون في الشوارع طارقين أبواب البيوت الأخرى مغنين: "قرقيعان وقرقيعان .. بيتن قصيّر ورمضان" طالبين الحلوى من سكانها.

يتحوّل ليل الكويت إلى نهار في شهر رمضان ، حيث تزدحم شوارع العاصمة وتتعطل حركة المرور فيها. والمختلف هذا العام انتشار أمني غير مسبوق بعد حادثة تفجير مسجد الصادق العام الماضي. تغص أسواق الكويت بالمتسوقين والمتسوقات الراغبين في التبضع استعداداً لعيد الفطر بسبب تعذر الخروج صباحاً لحرارة الجو التي وصلت إلى 51 درجة مئوية.

كما تحرص المؤسسات الحكومية على تقليص الدوام تخفيفاً على الموظفين والمراجعين. فبدلاً من ابتدائه عند الساعة السابعة صباحاً، يبدأُ الساعة العاشرة. وبدلاً من انتهائه الساعة الواحدة ينتهي الساعة الثانية ظهراً.

ويصلي الكويتيون صلاة القيام في العشر الأواخر من رمضان في مسجد الدولة الكبير الذي يحتل مساحة تبلغ 45 ألف متر مربع في قلب العاصمة الكويت وأمام قصر الحكم مباشرةً، حيث سيستوعب المسجد هذه السنة أكثر من 50 ألف مصلٍ في الليلة الواحدة وسط إجراء أمني مشدد كما يقول مسؤولوه.

ويقول عبدالله المطيري وهو إمام مسجد وخطيب جمعة لـ"العربي الجديد": "رمضان بالنسبة للكويتيين ليس شهر صيام وتعبد فقط، بل هو شهر فرح وعبادة وسرور. أنت تشاهد في صلاة التراويح مثلاً مجموعة تصلي وأخرى تشرب القهوة وثالثة تتحادث في ما بينها. يحوّل هذا الشهر المسجدَ المختص بالعبادة فقط، إلى خلية نحل اجتماعية، هذه هي قيمة هذا الشهر الكريم بالنسبة إلينا ككويتيين".
دلالات