"بعت الأرض يا عوّاد؟ والجمّيزة دي.. هانت عليك؟ الجمّيزة اللي ياما بقيت تسندك وانت زغيّر لحدّ ما عرِفت توقف على رجليك.. والساقية اللي ما كانِتش تدور إلا على مواويلك.. بعتها يا عوّاد؟".
بأسى تترجمه نبرة صوت الممثلة الإذاعيّة، تسأل الوالدة ابنها عن بيعه الأرض التي يحمل طينُها رائحة "عرقك وعرق أبوك وأجدادك"، في حين يزفّه أهل البلد بتشجيع منها "عوّاد باع أرضه يا ولاد.. شوفو عرضه وطوله يا ولاد.. يا ولاد غنّولو يا ولاد على عرضه وطوله يا ولاد".
"عواّد باع أرضه".. بهذا تُشتهَر أوبريت "عوّاد" - عنوانها الأصلي - التي كتبها قبل عقود مرسي جميل عزيز ولحّنها كمال الطويل وأخرجها للإذاعة أنور المشري. أوبريت تتناول في 26 دقيقة ظاهرة بيع الفلاحين أراضيهم التي شاعت في مصر في ستينيّات القرن الماضي، وسط استهجان كثيرين وغضبهم.
"عوّاد باع أرضه".. شعار يرفعه أهل مصر، معلنين استهجانهم وغضبهم إزاء "بيع" أرض جزيرتَي تيران وصنافير.. أرضهم وجزيرتَيهم.
"عوّاد باع أرضه".. شعار رفعه أهل مصر - من بين شعارات أخرى - يوم الجمعة الماضي، عندما نزلوا إلى الشارع هاتفين "الأرض هي العرض".
بعد غد، يوم جمعة آخر. بعد غد الجمعة، 22 أبريل/ نيسان، يوم "أمّنا الأرض" الذي تحتفي به المعمورة. يوم "أمّنا الأرض" الذي تعدّه الأمم المتحدة "تكريماً للأرض ككلّ ولمكاننا فيها"، إذ هي "الكيان الذي يحافظ على جميع الكائنات الحيّة". يوم "أمّنا الأرض" الذي يأتي هذا العام تحت شعار "أشجار من أجل الأرض".
الأشجار. جمّيزة عوّاد واحدة منها. خرّوبة - شجرة الخرنوب - بستاننا الذي اضطر والدي إلى بيعه مكرهاً، واحدة منها. تلك الشجرة المنتصبة أمام المنزل، التي نحتار في نوعها ما بين كافور أو كينا، واحدة منها.
الأشجار. ليست تلك التي تمتصّ الغازات الملوّثة وتسهم في تنقية الهواء الذي نستنشقه.. ليست تلك التي تساعد السكّان على بلوغ استدامة اقتصاديّة وبيئيّة، فيما تؤمّن الغذاء والطاقة والمداخيل.. ليست تلك التي تساهم في عدم انقراض أنواع حيّة من بيئاتها الأصليّة.
الأشجار. هي تلك الجمّيزة التي كان يستند إليها عوّاد عندما كان لا يزال طفلاً يحبو.. هي تلك الخرّوبة التي كنّا نتأهّب لقطافها في موسمها ونحمّلها في أكياس خيش إلى المعصرة، حيث كان يصنع لنا ذلك العجوز الدبس اللذيذ.. هي تلك الشجرة التي نحتار في نوعها ما بين كافور أو كينا، والتي كلّما التقيتها صباحاً تجعلني أبتسم معيدة إليّ لحظات طيّبة.
الأشجار أشجارنا.. والأرض أرضنا. تلك الأرض التي لم تنشقّ وتبتلع عوّاد في ختام الأوبريت. عمّال التراحيل وجدوه "قاعد هناك حدّ الجمّيزة دي"، مردداً "الأرض دي أرض أني.. ودي ساقيتي ودي جمّيزتي (...) والله أرضي.. طب شمّو الطين".