20 نوفمبر 2024
"عولمة" أمن الخليج.. وثرواته أيضاً
باحتجاز ناقلة النفط البريطانية في مياه عُمان الإقليمية، في أحدث حلقة من مسلسل استهداف ناقلات النفط في المنطقة، تكون إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، قد نجحت في جرّ إيران إلى فخ عرقلة حرية الملاحة في الخليج، وتهديد سلامة إمدادات النفط العالمية، وتمكّنت، من ثم، من تحويل الأزمة من أزمة تتحمّل واشنطن مسؤوليتها، نتيجة انسحابها من الاتفاق النووي، إلى أزمة تتعلق بمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي (قوانين البحار لعام 1982)، وهو حرية الملاحة الدولية. يوفر هذا التحول في طبيعة الأزمة للولايات المتحدة الذخيرة التي كانت تفتقدها للمضي في حشد المواقف، ليس فقط لإنشاء تحالف دولي، لحماية حرية الملاحة في الخليج العربي، وإنما في تطبيق عقوباتها على إيران أيضا. فوق ذلك، تمكنت واشنطن من عكس نتائج الاستراتيجية الإيرانية التي كانت تقوم على عزل الولايات المتحدة عن بقية شركاء الاتفاق النووي، خصوصا الأوروبيين، فاحتجاز الناقلة البريطانية ألحق ضررا كبيرا بجهود فرنسا وبريطانيا وألمانيا إيجاد آلية للالتفاف على العقوبات الأميركية، والحفاظ على الاتفاق، إذ أخذت الدول الثلاث تفكر الآن في إنشاء قوة بحرية مشتركة لحماية الملاحة في الخليج، وقد تضطر لاحقا للانضمام إلى القوة التي تسعى واشنطن إلى قيامها، بعد أن كانت هذه الدول تنأى بنفسها عن الموقف الأميركي.
أضعفت هذه التطورات أيضا مواقف حلفاء إيران الآخرين على الساحة الدولية، فالصين، حليف إيران وزبونها النفطي الرئيس تجد صعوبة الآن في مقاومة فكرة إنشاء آلية لحماية الملاحة في الخليج الذي تستجر منه نحو 43% من وارداتها النفطية التي تصل إلى ثمانية ملايين برميل يوميا. علما أن الصين تراقب أيضا الوضع في الخليج، للقياس على أي أزمة محتملة بينها وبين واشنطن في بحر الصين الجنوبي، وهي تحاول الاستفادة من تكتيكات إيران وأساليبها البحرية في التعامل مع التهديدات. ولن تستطيع روسيا أيضا رفض فكرة حماية حرية الملاحة الدولية في الخليج، لأنها صاحبة مصلحة فعلية في الدفاع عن المبدأ نفسه الذي يعينها في تصدير نفطها عبر بحر البلطيق، ويضمن مرور أساطيلها العسكرية وتجارتها عبر البحر الأسود ومضايق البوسفور. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تعتزم، حتى اللحظة، اللجوء إلى مجلس الأمن، لاستصدار قرار بشأن ضمان حرية الملاحة في الخليج، إلا أن الصين وروسيا قد تجدان صعوبةً في استخدام الفيتو لمواجهة مشروع قرار بهذا الخصوص، إذا جاء نصه لتأكيد مبدأ قانوني لا خلاف عليه.
ولكن الأمور لا تنتهي هنا، فالولايات المتحدة لا تسعى فقط إلى مواجهة إيران، بل تحاول، على ما يبدو أيضا، عولمة الأمن في الخليج (إضافة الى بحر عُمان وبحر العرب والبحر الأحمر)، بمعنى تحويل أمن الملاحة فيه إلى شأن دولي، يشارك في ضمانه وتحمل تكاليفه أكبر عدد ممكن من الدول. ويحقق هذا الأمر، من جهة، هدف عزل إيران، والحجر عليها دوليا، بعد أن تم وضعها في مواجهة مع العالم. وينزع، من جهة أخرى، مسألة أمن المنطقة من يد أبنائها، ويضعها تحت وصاية دولية.
بعد الحرب العالمية الثانية، تحول الخليج إلى منطقة نفوذ أميركية، ثم منطقة وجود عسكري أميركي بعد العام 1979، عندما هدّدته إيران بشعار "تصدير الثورة". تكثف هذا الوجود خلال الحرب العراقية - الإيرانية، ولكن النقلة الكبرى حصلت بعد الغزو العراقي للكويت عام 1991، عندما أخذت واشنطن على عاتقها حماية الأمن في الخليج، واحتواء القوتين الكبريين فيه (العراق وإيران). في عهد إدارة الرئيس ترامب التي تريد أن تتحمل الدول المستفيدة من نفط الخليج ثمن حماية الإمدادات، تتجه الأمور من مرحلة "أمركة" الأمن في الخليج إلى "عولمته". وهذا يعني أن ثروات المنطقة النفطية، عربية وإيرانية، لم تعد شأنا خاصًا بأصحابها. وتتحمل إيران، ومعها العرب، المسؤولية عن ذلك، فبعجزهم عن إيجاد صيغة للتعايش على ضفتي الخليج، وفشلهم في بناء نظام أمن إقليمي يحقق الأمن الجماعي لدول المنطقة، وضعوا مستقبل المنطقة وأمنها وثرواتها بيد الآخرين، لم لا؟ فالوصاية لا تكون إلا على قاصرين، لا يستطيعون تدبر شؤونهم بأنفسهم، وهذه صفةٌ تنطبق حرفيا على إيران والعرب!
أضعفت هذه التطورات أيضا مواقف حلفاء إيران الآخرين على الساحة الدولية، فالصين، حليف إيران وزبونها النفطي الرئيس تجد صعوبة الآن في مقاومة فكرة إنشاء آلية لحماية الملاحة في الخليج الذي تستجر منه نحو 43% من وارداتها النفطية التي تصل إلى ثمانية ملايين برميل يوميا. علما أن الصين تراقب أيضا الوضع في الخليج، للقياس على أي أزمة محتملة بينها وبين واشنطن في بحر الصين الجنوبي، وهي تحاول الاستفادة من تكتيكات إيران وأساليبها البحرية في التعامل مع التهديدات. ولن تستطيع روسيا أيضا رفض فكرة حماية حرية الملاحة الدولية في الخليج، لأنها صاحبة مصلحة فعلية في الدفاع عن المبدأ نفسه الذي يعينها في تصدير نفطها عبر بحر البلطيق، ويضمن مرور أساطيلها العسكرية وتجارتها عبر البحر الأسود ومضايق البوسفور. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تعتزم، حتى اللحظة، اللجوء إلى مجلس الأمن، لاستصدار قرار بشأن ضمان حرية الملاحة في الخليج، إلا أن الصين وروسيا قد تجدان صعوبةً في استخدام الفيتو لمواجهة مشروع قرار بهذا الخصوص، إذا جاء نصه لتأكيد مبدأ قانوني لا خلاف عليه.
ولكن الأمور لا تنتهي هنا، فالولايات المتحدة لا تسعى فقط إلى مواجهة إيران، بل تحاول، على ما يبدو أيضا، عولمة الأمن في الخليج (إضافة الى بحر عُمان وبحر العرب والبحر الأحمر)، بمعنى تحويل أمن الملاحة فيه إلى شأن دولي، يشارك في ضمانه وتحمل تكاليفه أكبر عدد ممكن من الدول. ويحقق هذا الأمر، من جهة، هدف عزل إيران، والحجر عليها دوليا، بعد أن تم وضعها في مواجهة مع العالم. وينزع، من جهة أخرى، مسألة أمن المنطقة من يد أبنائها، ويضعها تحت وصاية دولية.
بعد الحرب العالمية الثانية، تحول الخليج إلى منطقة نفوذ أميركية، ثم منطقة وجود عسكري أميركي بعد العام 1979، عندما هدّدته إيران بشعار "تصدير الثورة". تكثف هذا الوجود خلال الحرب العراقية - الإيرانية، ولكن النقلة الكبرى حصلت بعد الغزو العراقي للكويت عام 1991، عندما أخذت واشنطن على عاتقها حماية الأمن في الخليج، واحتواء القوتين الكبريين فيه (العراق وإيران). في عهد إدارة الرئيس ترامب التي تريد أن تتحمل الدول المستفيدة من نفط الخليج ثمن حماية الإمدادات، تتجه الأمور من مرحلة "أمركة" الأمن في الخليج إلى "عولمته". وهذا يعني أن ثروات المنطقة النفطية، عربية وإيرانية، لم تعد شأنا خاصًا بأصحابها. وتتحمل إيران، ومعها العرب، المسؤولية عن ذلك، فبعجزهم عن إيجاد صيغة للتعايش على ضفتي الخليج، وفشلهم في بناء نظام أمن إقليمي يحقق الأمن الجماعي لدول المنطقة، وضعوا مستقبل المنطقة وأمنها وثرواتها بيد الآخرين، لم لا؟ فالوصاية لا تكون إلا على قاصرين، لا يستطيعون تدبر شؤونهم بأنفسهم، وهذه صفةٌ تنطبق حرفيا على إيران والعرب!